للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية معرفة الهدف من خلق الإنسان]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الأحبة: هذا الموضوع هو عن دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو موضوع هام؛ لأنه يتناول شريحة من شرائح المجتمع تملك إمكانات وقدرات لو سخرتها التسخير الشرعي الصحيح لحقق الله عز وجل على يديها الخير الكثير والنصر المبين لهذا الدين العظيم.

وقبل أن أبدأ بطرح هذا الموضوع أود أن أعطي فكرة عما يغيب عن أذهان الناس في هذا الزمان في معظم بقاع الأرض عن الغاية والهدف الذي من أجله خلقهم الله سبحانه وتعالى، وفي ظل غياب هذه الأهداف فقد الإنسان قيمته، وأصبح يعيش حياة بدون معنى؛ لأنه لا يدري لماذا يعيش، وحينما تضيع هذه الأهداف أيضاً يستغرق الإنسان في متع الحياة ولذائذها وشهواتها، ويقضي عمره ولم يشبع من هذه الشهوات.

لقد ظن قوم أن الهدف هو المتاع فتنافسوا عليه، وسقطوا بهذه الاهتمامات من كرامتهم التي أرادها الله عز وجل لهم، إذ أن من يعيش وهمه الشهوات إنما يعيش بعقليات البهائم التي لا هم لها إلا هذه الأمور، ولذا فالكفار مهما بلغوا من التقدم والرقي المادي إلا أن اهتماماتهم هي اهتمامات البهائم، يقول الله عز وجل فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] ليتهم مثل الإنعام لكنهم أضل من البهائم والأنعام؛ لأن تفكيرهم مثل تفكير البهائم، أي إنسان منهم تسأله: لماذا تعيش؟ فسيقول: لآكل، لأشرب، لأتمتع.

إن البهائم لو استطعنا الآن أن نتكلم معها وقلنا: ما هي اهتماماتها؟ ما هي آمالها في الحياة؟ لوجدنا نفس الاهتمامات مع فرق نوعي.

أي أن الإنسان باعتبار أنه إنسان عنده عقل وتفكير وقدرة على الإبداع والاختراع والإيجاد استطاع أن يطور نفسه، بحيث يسكن في ناطحات السحاب، ويسبح في الفضاء، ويطوع المادة لخدمة نفس الأهداف التي تهدف إليها البهائم.

وخسر الإنسان -حقيقةً- قيمته وكرامته التي أرادها الله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠] بماذا كرمه الله؟ بهذا الدين العظيم.

وظن آخرون أن الله عز وجل خلق هذه الحياة عبثاً، وقد أبطل الله سبحانه وتعالى هذا الظن، وكذَّب هذا الزعم، وقال في كتابه الكريم: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦] تعالى الله عن العبث! لا إله إلا هو! ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:٢٧] يعني: عبثاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:٢٧] ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:١٦] يعني: عابثين {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٧ - ١٨].

ثم إن الناظر والمتأمل في الكون وسماواته وأرضه وشمسه وقمره ونجومه وكواكبه وبحره وبره وأنهاره وأشجاره وما بث الله فيه من المخلوقات، ما فيها من الدقة والتدبير والحكمة والتقدير من أصغر جزء في المادة وهو الذرة إلى أعظم جزء في الدنيا وهي المجرة يشهد أنها خلقت كلها لحكمة.

إذاً: ما هي الحكمة التي خلق الله الناس من أجلها؟ وهل بإمكان الناس أن يعرفوها من عند أنفسهم؟ لا.

مهما كان ذكاء الإنسان، ومهما كانت عبقريته لا يستطيع أن يعرف لماذا خلق لماذا؟ لأنه لم يخلق باختياره وإنما جيء به، لو أنه جاء باختياره لعرف لماذا جاء، لكن يجاء به من غير اختيار، لا يدري من الذي جاء به، وهل أُخذ رأيك -أيها الإنسان- يوم خُلقت، وهل أنت جئت باختيارك؟ لا {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} [الإنسان:٢] لماذا خلقك؟ أنت لا تعرف! فمن الذي يعرف؟ الذي خلقك، فاسأل الله لماذا خلقك؟ وأنا جئتكم الآن من مكة باختياري، ولذا لو سألني أحد في الطريق: إلى أين؟ لقلت: إني ذاهب إلى جدة، إلى الغرفة التجارية، لدرس أو محاضرة.

لكن لو أنني خرجت من بيتي ووقفت عندي سيارة، ونزل منها رجال مسلحون متنكرون، وأداروا أكتافي ووضعوا القيد في يدي ورجلي، ووضعوني في سيارتهم، وذهبوا بي إلى الصحراء أو الجبال ورموني في حفرة أو كوخ، ويأتي شخص ويسألني: لماذا أنت هنا؟ ماذا أقول له؟ أقول له: لا أدري.

لأني أُخذت، وكذلك أنت أيها الإنسان! لماذا جئت؟ لا تدري!