للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استغلال الأموال في الدعوة إلى الله]

هذه الدعوة -أيها الإخوة- يجب أن يمارسها المسلم من خلال وضعه الذي يعيشه، فالطبيب والمهندس والضابط والموظف والمرأة والمزارع بإمكانهم أن يكونوا دعاة إلى الله، لكن أبرز الناس قدرة على الدعوة إلى الله بالمال هو التاجر وذلك لأن عنده إمكانية.

لقد مارس سلفنا وسلفكم التجار هذا، ونصر الله بهم الدين، وتعرفون الأمثلة: خديجة رضي الله عنها سخرت أموالها لخدمة الدعوة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

أبو بكر رضي الله عنه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال كمال أبي بكر).

عثمان رضي الله عنه تاجر الصحابة في غزوة العسرة، جاءت تجارته من الشام بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، محملة بالسمن والدقيق، في زمن مجاعة، وكانت الأرض مثل الرماد، وسمي ذلك العام بعام الرمادة، انحبس المطر حتى أصبحت الأرض مثل الرماد، ولا يوجد هناك إلا ما يأتي من السماء، والناس في شدة وضيق، ولما جاءت القافلة بثلاثمائة بعير قام التجار كلهم في المدينة من أجل أن يكسبوا، فأعطوه في الدينار ديناراً -أي: مكسب (١٠٠%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

فأعطي ديناران في الدينار -أي: (٢٠٠%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

ويعرفون أنه صادق لا يكذب، ليس مثل بعض التجار يقول: أُعطيتُ أكثر.

وهو كاذب، إذا قال هذا الكلام وجاءه ربح أكثر بناءً على كلمته فدخله حرام (١٠٠%)؛ لأن ذاك صدقه! مثلاً: يقال للبائع: السيارة هذه بكم؟ قال: أُعطيتُ فيها ثلاثين ألفاً.

ولم يعطَ ذلك المبلغ، إذاً لماذا تريد أن تزيد في السعر، ليعطيك فرقاً فيعطيك واحداً وثلاثين ألفاً، لأنك افترضت ثلاثين كذباً، إذاً هذا الدخل حرام.

أما عثمان فصادق - ذو النورين الذي تستحي منه الملائكة رضي الله عنه وأرضاه- قال: أعطيت أكثر.

حتى وصلت إلى خمسة -أي: (٥٠٠%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

فاجتمع التجار كلهم، قالوا: من الذي أعطاه؟ نحن كلنا تجار المدينة، هل هناك أحد جاء من السماء؟ لا يوجد إلا نحن، والرجل لا يكذب، ثم جاءوا إليه وقالوا: قد تشاورنا ولم نجد أحداً أعطاك أكثر مما أعطيناك، فمن أعطاك؟ قال: أعطاني الله، أعطاني في الدينار عشرة دنانير إلى أضعاف كثيرة، قال: هي في سبيل الله.

فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة بعير محملة قال فيه: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم) هذا هو المال الرابح أيها الإخوة! أبو الدحداح رضي الله عنه وأرضاه لما سمع قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:٢٤٥] قال: [ربنا يستقرضنا؟ قال: اقرأ بقية الآية {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:٢٤٥]] الله غني، لا يستقرض منك لأنه فقير، لكن من أجل أن يزيد ويضاعف لك الأجر.

وأبو طلحة لما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] قال: يا رسول الله أحب مالي بيرحاء -وهو بستان في المدينة - أشهدك أنها لله عز وجل، قال: (بخٍ! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح!).

وهكذا استمرت -أيها الإخوة- أيادي الدعوة والخير تنتقل، بل دخل دين الإسلام عن طريق التجار إلى دول مثل: إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة، فهذه البلاد فيها مئات الملايين من المسلمين، لم تفتح بلادهم عنوة ولا بالسيف وإنما بالتجار المسلمين الذين كانوا يحملون هَمَّ الدعوة، انتقلوا بالتجارة ومعهم الإسلام فدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، دعوا إلى الله بألسنتهم وبفعلهم وتطبيقهم، فدخلت تلك الدول في دين الله.