للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غريزة حب المال والاستثمار الحقيقي مع الله]

لا نستطيع أن ننكر أن الله سبحانه وتعالى غرز في طباع الناس حب المال، يقول الله عز وجل: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:٢٠] ويقول: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:٨] لا يوجد أحد في الدنيا يكره المال فقد حبب الله الناس في المال؛ لأن الإنسان خليفة الله في الأرض، ولا بد أن يعمرها، يعمرها بماذا؟ بالمال، ولذا فإن حب المال موجود عند كل إنسان حتى الطفل، انظر إلى الطفل الذي عمره سنة إذا أعطيته ريالاً وورقة أخرى أيهما يأخذ؟ يأخذ الريال ويدع الأخرى ولا يأخذها، بل حتى المجانين، يقول لي أحد الأطباء في مستشفى الأمراض العقلية في الطائف: والله يا شيخ سعيد! عندنا مجانين لا يفهمون شيئاً أبداً، لكن إذا رأى العملة فئة خمسمائة أو مائة عرفها وأخذها، يعود إليه عقله الذي قد غاب.

المال والنقود!! كل إنسان يحب هذا المال، وكل إنسان يحب أيضاً الاستثمار خصوصاً التجار، فعقلياتهم عقليات تجارية استثمارية، حتى لو أردت أن تزاحم في التجارة وأنت لست صاحب اختصاص فإنك تخسر، ولذا بعض الناس يدخل في الميدان ويريد أن يصير تاجراً ويترك وظيفته، فنقول له: ابق في وظيفتك، ويا صاحب المهنة! ابق في مهنتك، التجارة لها أناس يفهمونها بالإشارة! هؤلاء المستثمرين أصحاب المال ورجال الأعمال غاب عن أذهانهم مجال من مجالات الاستثمار وهو الاستثمار في سبيل الله، ليس مجال الاستثمار في سبيل الله العائد عليه في الآخرة فقط بل هناك عائد جديد يحصل لك في الدنيا: وهو البركة والزيادة، يقول الله في القرآن الكريم: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:٣٩] أما عندك يقين في الله؟ الله يعدك أن أي شيء تنفقه في سبيل الله فهو يخلفه {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩] فما دام أنك تعلم أن المال يرجع بالزيادة من يوم أن تنفق فلماذا لا تنفق؟؟ بل في الحديث: (ما نقص مال من صدقة).

أنا أعرف -أيها الإخوة- قصة وقعت أمامي: فقد كنت خارجاً من الحرم في رمضان ومتجهاً بعد صلاة التراويح إلى سيارتي، وإذا بسيارة قريبة من الحرم لرجل أظنه ذا مكانة عالية، وسيارته من السيارات الفارهة فمررت بجانبه، ورأيته ممسكاً مقود السيارة ويمشي ببطء لأن الناس كثير، وإذا برجل فقير من الفقراء لحقه عندما رآه بسيارة، وقال: أعطني لله فقال هذا الرجل: على الله! وهذا الفقير قال: أنا أعلم أن رزقي على الله، لكني أريد أن أختبرك؛ لأن الله ابتلاني بالفقر فما صبرت، وأنت ابتلاك بالغنى فما أعطيتني، الله يعطيني، أنت لا تعطيني، أنا لا أريد منك شيئاً.

وأنا أسمع الكلام وأرى الرجل وهو يتكلم بهذه الحدة، وكان هناك امرأة إفريقية تجلس على طرف الجدار وكانت تبيع بعض الحلوى، وعندما رأت المنظر وسمعت ما سمعته قامت وأعطت هذا الرجل المسكين ريالاً! أما صاحب السيارة تحرك على بعد عشرة أمتار ثم توقف تأثر وانتبه ضميره فوقف، ثم فتح الباب وأخرج من جيبه عشرة ريالات وراح يبحث عن الرجل فلم يجده، فأعطى الإفريقية عشرة ريالات.

قلت: لا إله إلا الله! أنفقتْ ريالاً فرد الله لها عشرة ريالات {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩] أهذا مجال استثماري أم لا؟ الله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦] {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:٣٩].

هذا مجال استثماري في الدنيا، هل هناك أحد تصدق أيها الإخوة؟ في الدنيا بمال وندم فقال: والله خسرت بالصدقة؟ لا، والله لا تخسر، بل تزيد وتزيد وتزيد، فأنت تنفق في سبيل الله فيأتيك الشيطان يقول: تصور أن المال نقص.

فإذا جاءك هذا الإحساس فاستعذ بالله فإنه من الشيطان، والله يقول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٨] فضلاً، أي: رزقاً، فهذا المجال الاستثماري من أعظم مجالات تنمية المال، وما عرفنا أحداً سلك مسالك الإنفاق في سبيل الله إلا وفتح الله عليه أبواب الرزق من كل جانب.

نعرف كثيراً منهم -ولا نذكر الأسماء- ويحدثوننا ويقولون: والله ما رأينا الخير إلا لما أنفقنا.

لأنك عندما تعطي الله ماذا يحصل؟ ماذا يعطيك ربك وقد وعدك {فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩] ثم أنت عندما تبخل تبخل عن نفسك أولاً.