للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة لطلاب العلم في تحسين معاملتهم مع الناس]

السؤال

من المحزن أن نشاهد بعض الملتزمين يظهر عليهم الشدة والغلظة والتكشير والعبوس, فما نصيحتكم؟

الجواب

صحيح والله! إن هذا من المحزن, ومن المؤسف جداً أن ترى هذه المظاهر على الطيبين, وأيضاً من المحزن أن يبررون هذه المواقف, وأن يعتبرونها ديناً, وأن يقولوا: هذا من الحب في الله والبغض في الله, فنحن نتعامل مع الإخوة في الله بأخلاق, إذا رآه يبش له ويقبل عليه ويحتضنه, وإذا رأى شخصاً آخر ليس مثله في الالتزام أو أقل منه كشر فيه ونفر فيه ولم يسلم عليه وأعرض عنه، ويظن أن هذا من الدين، أو يظنه من الحب والبغض وهذا من سوء الفهم وقلة العلم, لا يا أخي الكريم! هذا الذي ترى عليه علامات القصور يحتاج إلى دعوة منك, وإلى اجتباء وإلى حب, وآخر علاج عندك أن تبغضه.

أما أن تبدأه بالبغض فكأنك بهذا تطرده, وتجعل بينك وبينه حاجزاً بحيث لا يقبل كلامك, وإذا سمع أنك أبغضته قال: وأنا أبغضه, وإذا أبغضك أبغضك وأبغض المبدأ الذي أنت عليه والدين الذي تدعو إليه, فيكون تصرفك أنت بالبغض ابتداءً كأنك قاطع طريق بين هذا وبين الهداية, بدلاً من أن تدعوه بالخلق الكريم وبالابتسامة وبالإكرام حتى يقول: ما شاء الله! انظر إلى هؤلاء المتدينين, لا أرى لنفسي قيمة ولا أرى لي احتراماً إلا عندهم! فيحمله هذا الاحترام والتقدير إلى أن يلتزم, لكن إذا رآك قال: الله أكبر على هؤلاء، كلما أرى واحداً كأنه الشيطان يريد أن يأكلني! ما بهم هؤلاء المتدينين؟! يظنون أن هذا من الدين وليس من الدين, لا بد أن نتحلى بالأخلاق الكريمة وأن نبش في وجوه الناس، وأن نكرم الناس؛ لأننا نريد أن نصدر على هذا ونمرر على هذا الخلق ما عندنا من مبادئ, وما عندنا من أخلاق, وما عندنا من دين وعقائد, فربما لا يقبلها الناس أبداً إلا من رجل ذو خلق, ولهذا اختار الله عز وجل لحمل هذا الدين ولإبلاغه للناس أكرم الناس خلقاً صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] حتى كان الكفار يلقبونه بأنه: الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم, فلا ينبغي لك -أيها الأخ في الله- إلا أن تظهر الخلق الطيب.

متى يكون البغض في الله؟ عندما تكون قد استنفذت جميع الوسائل, ثم وجدت أن البغض يؤدي دوراً أو أنه ينفع فلا بأس.

أما إذا عرفت أن البغض يضر فلا يجوز لك, ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: البغض والهجر دواء يستخدم عند الحاجة, وحينما يكون له أثر نافع, أما إذا كان له ضرر فيحرم الدواء, فالحبوب هذه تأخذها من أجل أن تعالجه، لكن إذا أخذتها وأحرقت بطنك فلا يجوز أن تستخدمها، وكذلك الهجر؛ تهجر من ينفعه الهجر، مثلاً زوجتك إذا هجرتها ينفع الهجر، لماذا؟ لأنها محتاجة إلى أن تلاطفها, فإذا أعرضت عنها وهجرتها هجراً شرعياً سألتك: ما لك غاضب؟ تقول: غاضب لأنك تبرجتِ, أو لأنك لم تصلي, أو لأنك ما قرأتِ القرآن, أو تأخرتِ عن الصلاة, فتقول: حقاً؟ سأتوب إن شاء الله ولا أعود, لكن عندما تهجر جارك ولا تسلم عليه فإذا سأل جارك: ما به؟ قيل له: فلان هجرك لأنك لا تصلي في المسجد, قال: الله لا يجعله يرضى إلى يوم القيامة, والله لن أصلي حتى في البيت من أجل خاطره! فهجرك هذا نفع أم ضر؟ هجرك هذا ضر الرجل, لكن لو أنه لا يصلي صبرت عليه وأصبحت تكرمه وتعزمه وتهدي له وتزوره، وكلما رأيت مناسبة قذفت عليه بكلمة, أو أعطيته كتاباً, أو شريطاً يستحي أن يرده ويستحي أن يرد عليك؛ لأنه يراك ذا أخلاق كريمة, فيجاملك إلى أن يأذن الله بهدايته, والهداية ليست بيدك, أنت تحرص على هدايته والله هو الهادي, وللهداية ساعة لا تحددها أنت, ولكن الذي يحددها هو الله, والله تعالى يقول: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:٣٧] وقال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٧٢].