للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يختلف فيه حال المرء في الدنيا عن الآخرة]

فالله يعيد العباد أنفسهم؛ ولكنهم يُخْلَقون خلقاً يختلف عما كانوا عليه في هذه الحياة، هناك اختلافات، ما هي الاختلافات؟ الاختلاف الأول: أنهم بعد هذه الإعادة لا يموتون أبداًَ: لأن الله يقول: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:١٧] لا أهل الجنة يموتون ولا أهل النار يموتون، لا أهل الجنة يموتون بزيادة النعيم، ولا أهل النار يموتون بزيادة العذاب.

وفي الحديث الذي رواه الإمام الحاكم بسندٍ صحيح قال: عن عمرو بن ميمون الأودي قال: (قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود -قبيلة- إني رسول رسول الله إليكم، أُعْلِمُكم بالمعاد إلى الله، ثم إلى الجنة أو النار، وإقامة لا ظعن فيها، وخلود لا موت فيه، في أجسادٍ لا تموت ولا تبلى).

وراوي الحديث هذا عمرو بن ميمون الأودي هو راوٍ لحديث في صحيح البخاري، حديث القِرَدة، في فضائل الصحابة، في مناقب الأنصار في صحيح البخاري: الحديث: (أنه كان في سفر من مكة إلى المدينة، وفي الطريق نام تحت حجر في هضبة، وبينما هو مستلقٍ يرتاح، إذا بالقردة عنده، فرأى قرداً كبيراً في السن معه قردة شابة -زوجته- نائمة هي بجانبه، وبينما هما نائمان إذ أخْرَجَتْ -نزعت- يدَها من تحت رأسه وتركته وذهبت وراء الحجر، فجاءها قرد شاب وفعل بها، ثم رجعت وأدْخَلَتْ يدَها تحت رأسه ونامت -كأنه لم يحصل شيئاً- لكنه لما استيقظ شم سوءتها، ثم صاح صياحاً عنيفاً، فاجتمع القردة وأمسكوا بها ووضعوها في الوسط، وبدءوا يفتشون كل القردة حتى جاءوا بذاك القرد الذي فعل بها، وجمعوه مع القردة، وعملوا لهما دائرة، ورجموهما بالحجارة حتى ماتا) هذا الحديث في صحيح البخاري، ويستدل به العلماء على أن الزنا جريمة وفاحشة تأنَف منه حتى الحيوانات، حتى القردة لا تمارسه، وبعض البشر يمارسه والعياذ بالله.

هذه خاصية؛ أنهم لا يموتون.

الخاصية الثانية: أنهم في الآخرة يُبصرون ما لم يكونوا يبصرونه في الدنيا: فإنهم يرون الملائكة: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان:٢٢] ويرون الجن، هذه خاصية ليست موجودة في الدنيا.

الخاصية الثالثة: أن أهل الجنة لا ينامون، وأهل النار أيضاً لا ينامون: فأهل الجنة لا ينامون حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، وأهل النار لا ينامون حتى لا يستريحوا من شيء من العذاب؛ لأن النوم راحة؛ لكن ليست هناك راحة في النار، وليس هناك فوات لِلَحظة من لحظات النعيم في الجنة، بل نعيم في نعيم.

الخاصية الرابعة: أنهم لا يتغوَّطون، ولا يبصقون، ولا يتبوَّلون: وإنما أكلهم في الجنة رَشْحٌ، لونُه لون الرشح والعرق، وريحه ريح المسك.

وهذه خاصية ليست موجودة في الدنيا.

الخاصية الخامسة: أنهم يرون الله تبارك وتعالى في الجنة، بالنسبة لأهل الإيمان، وأهل النار لا يرون الله تبارك وتعالى.