للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تلاوة القرآن]

أنت إذا أردت أن تتزوج فلا بد أن تسلك أسباب الزواج، كذلك إذا أردت أن تهتدي يجب أن تسلك أسباب الهداية، وأسباب الهداية ما هي؟ هذا موضوع مستقل، ولكني سأطرق منه رءوس أقلام فقط.

من أسباب الهداية: أولاً: تلاوة كتاب الله.

أول شيء عليك بالقرآن الكريم، قال الله تعالى فيه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:٥٢ - ٥٣] ويقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:١٥] ويقول سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:١٧٤] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٧ - ٥٨].

فعد إلى كتاب الله؛ عد إليه تلاوة! عد إليه تدبراً! عد إليه عملاً وتطبيقاً! عد إليه التزاماً واحتكاماً! عد إليه استشفاء! عد إلى القرآن، واجعل حياتك كلها مع القرآن، ليلك مع القرآن، ونهارك مع القرآن، فحين تجلس في المكتب، وليس عندك عمل فخذ المصحف، واقرأ وبمجرد أن يؤذن وأنت الأول في الصف تأخذ المصحف، لكن علاقة الناس اليوم بالقرآن -يا إخواني- علاقة واهية وضعيفة جداً.

وهذا هو الذي ترتبت عليه قسوة القلوب، لبعدهم عن كتاب الله وعن النور العظيم، الذي يقول الشاعر في معناه:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول

ترون الناس الآن وسوء علاقتهم بالمصحف، فلو سألت طالب علم -مثلاً-: كم تختم القرآن؟ هل تختم في الشهر مرة؟ قال: لا.

الله أكبر! ثلاثون يوماً تمر عليك وما تمر على القرآن مرة واحدة، كان السلف يختمون في كل ثلاثة أيام، وكانوا يختمون في كل أسبوع، وكانوا يختمون في كل عشرة أيام وكانوا يختمون في خمسة عشر يوماً، فأنت أقل ما يمكن أن تختم في كل شهر مرة، كيف ذلك؟ تقرأ كل يوم جزءاً، حتى تكمل الثلاثين ثم تبدأ من أول القرآن إلى أن تنتهي منه بشكل مستمر، تكون -إن شاء الله- بهذا من القارئين للقرآن، وبعضهم يمر عليه العام كله ولا يختم مرة، وإنما تراه يدخل المسجد إذا بقي وقت للقراءة فيجلس لا يستطيع أن يقوم ويأتي بمصحف؛ تصوروا كأنه يستكثر القيام للمصحف ويراه أكثر من حاجته، فيظل جالساً إلى أن يرى -لعل الله يجعل- أحدهم يقوم، فإذا قام واحد ناداه: من فضلك مصحف، نحن تكسرت أرجلنا فلا نستطيع أن نأتي بمصحف، فلا إله إلا الله! وبعضهم اليوم يدخل المسجد ويأخذ المصحف فإذا فرغ من القراءة وضعه في حجره؛ من أجل ألا يقوم مرة ثانية، سبحان الله! ما أكسلك! وما أعجزك يا هذا الإنسان! وبعضهم -والعياذ بالله- يقوم أحدهم يقرأ، ويأتي بالمصاحف وينظر من بجانبه لعلهم يكسبون أجراً وثواباً ويؤجر معهم، فيأتي بمصحف لأحدهم فيقول: شكراً، لا أريد، هؤلاء ممتلئون حسنات، مستغنون.

ووالله! لو أعطاه مالاً ولو أقل من خمسمائة ريال ماذا يقول؟ هل يقول: شكراً لا أريدها، لا.

بل يلتقطها قبل أن ينظر إليها أحد؟ سبحان الله! تستغني عن كلام الله! لا ترد المصحف، مهما كنت، خذ المصحف واقرأ ولك بكل حرف عشر حسنات: (لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ثلاثين حسنة تأتيك إذا قلت (ألم) والحسنة الواحدة تساوي الدنيا كلها، ولكن أين عقل الإنسان عندما يضيع هذه الفرص؛ هذا عقله خَرِبٌ، وقلبه ليس منشرحاً لكتاب الله، فارجع إلى كتاب الله وأكثر تلاوته، واحذر من هجرانه.