للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبيات من المنظومة الميمية للشيخ الحكمي]

يقول الشيخ حافظ الحكمي في أبيات اخترتها فأحضرتها حتى تسمعوها، وهي أبيات عظيمة في منظومة له اسمها: المنظومة الميمية في الآداب العلمية، وقد أوصى طالب العلم بالقرآن وأوصاه بالسنة، وأوصاه بآداب يجب أن يتمسك بها، واخترت منها بعض الأبيات فيما يتعلق بالأدب مع القرآن، يقول:

وبالتدبر والترتيل فاتل كتا ب الله لا سيما في حندس الظلم

حَكِّمْ براهينه واعمل بمحكمه حِلاً وحظراً وما قد حده أقم

وعن مناهيه كن يا صاحِ منزجراً والأمر منه بلا ترداد فالتزم

هو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم

هو الصراط هو الحبل المتين هو الـ ميزان والعروة الوثقى لمعتصم

هو البيان هو الذكر الحكيم هو الـ تفصيل فاقنع به عن كل منبهم

هو البصائر والذكرى لمدكر هو المواعيظ والبشرى لغير عم

هو المنزل نوراً بيناً وهدى وهو الشفاء لما في القلب من سقم

لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا بما أتى فيه من علم ومن حكم

أما على من تولى عنه فهو عمى لكونه عن هداه المستنير عمي

والله تعالى يقول: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت:٤٤] والوقر يعني الحفرة، فالذي أذنه محفورة ليس فيها طبلة تستجلب الصوت وإنما هو مخروق الأذن ما يسمع كلام الله، وهو عليهم عمى: أي: إذا سمع يضيق، يقول هنا:

لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا بما أتى فيه من علم ومن حكم

أما على من تولى عنه فهو عمى لكونه عن هداه المستنير عمي

فمن يقمه يكن يوم المعاد له خير الإمام إلى الفردوس والنعم

كما يسوق أولي الإعراض عنه إلى دار المقامع والأنكال والألم

كفى وحسبك بالقرآن معجزة دامت لدينا دواماً غير منصرم

فانظر قوارع آيات المعاد به وانظر لمن قص من عاد ومن إرم

وانظر به شرح أحكام الشريعة هل ترى بها من عويص غير منفهم

أم من صلاح ولم يهد الأنام له أم باب هلك ولم يزجر ولم يلم

أخباره عظة أمثاله عبر وكله عجب سحقاً لذي صمم

الله أكبر كم قد حاز من عبر ومن بيان وإعجاز ومن حكم

رحم الله قائل هذه الأبيات الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في دار كرامته.

أول وسيلة -أيها الإخوة- من وسائل شرح الصدور: القرآن الكريم، وننادي بأعلى أصواتنا: عودوا -يا عباد الله- عودة إلى كتاب الله القرآن الكريم.

كثير من الناس لا يحفظون من القرآن شيئاً، تراهم يلعبون البلوت من بعد العشاء إلى منتصف الليل، وإذا قلت له: اقرأ لي بالله عليك: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] لا يعرف كيف يقرؤها، وإذا قلت له: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:١ - ٢] قام ولعب فيها ووضع "لا أعبد" مكان "أعبد"، لا يعرف، لماذا؟ لأنه يلعب البلوت، ومع هذا يقول: ليس عندنا شغل! إذا لم يكن عندك شغل فالقرآن معك، وأنت لا تحفظ فيه ولا تراجعه، هل فرغت من كتاب الله؟ هل فرغت من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا.

بل تجده من أجهل الجاهلين ويقضي عمره في عمل البطالين وعمل العابثين الغافلين اللاعبين والعياذ بالله.

فنقول لكم ولأنفسنا قبلكم: عودوا إلى كتاب الله، ورتبوا لأنفسكم مواعيد للتلاوة، وأحسن وقت بعد صلاة الفجر، حينما تعودون من الصلاة فإن كنت تقعد في المسجد فحباً وكرامة، وإن لم تكن في المسجد ففي البيت قبل أن تنام اجعل عند رأسك مصحفاً، فعندما ترجع من الصلاة أشعل المصباح واقرأ القرآن لمدة ربع ساعة على الأقل، لابد أن تنام وآخر عهدك بالقرآن لا تنم على الأغاني، وبعد ذلك رتب لنفسك أوقاتك قبل الصلاة، ألزم نفسك ألا يؤذن إلا وأنت على أهبة الاستعداد لإجابة النداء، بحيث لو كان بيدك أعظم شغل في الدنيا، ونادى المؤذن: الله أكبر، تترك كل شيء على الفور، وإذا كنت بائعاً تضع الميزان مباشرة، أو كنت موظفاً أغلق الدفتر وأجب النداء، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحادثه، فإذا سمع المؤذن قام وكأنه لا يعرف منا أحداً) دعاه ربه، ترك كل شيء، فألزم نفسك بهذا الخلق، وبمجرد أن تسمع الأذان -مهما كان عملك، ومهما كان شغلك، فقد دعاك الله- اترك شغلك وتوضأ، وإن أذن المؤذن وأنت متوضئ فهذا أفضل، وبادر إلى الصف الأول في الروضة: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١].

وقد ذكر المفسرون في هذه الآية من سورة الواقعة: أن الناس يوم القيامة قربهم من الله بحسب قربهم في الصفوف الأولى من المسجد، فالذي هو في الصف الأول هنا يكون في الصف الأول هناك، والذي هو في الصف الثاني هنا يكون في الصف الثاني هناك، والذي لا يأتي هنا فلن يأتي هناك، ولا يدخل الجنة، وإنما يذهب إلى دارٍ ثانية، إلى النار والعياذ بالله.

فرتب وقتك، فمن بعد الأذان باستمرار إلى الصلاة يكون لك مصحف تقرأ فيه قبل الظهر وقبل العصر ثلث ساعة، وقبل المغرب عشر دقائق، وقبل العشاء ثلث ساعة، فما شاء الله هذا الوقت كله كم مقداره، تجد فيه أقل شيء ساعتين أو ساعةً ونصفاً للقرآن فبإمكانك أن تختم في كل شهر ثلاث مرات، فهذا هو السبب الأول من أسباب شرح الصدر.