للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصناف الذكر]

الذكر خمسة أصناف: الأول: ذكر الله عند ورود أمره، يعني: إذا كنت جالساً في البيت، وسمعت المؤذن وقمت إلى الصلاة فأنت ذاكر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤].

الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، أنت ماشٍ في الشارع وإذا امرأة كاشفة متبرجة والشيطان يدعوك للنظر إليها، والله أمرك بالغض من بصرك عنها فغضضت خوفاً من الله، أنت بذلك تعد ذاكراً لله؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] فأنت إذا عرضت عليك المعصية وصرفت نفسك عنها، فقد ذكرت الله، وهذا ذكر عظيم، ذكر عملي.

الثالث: ذكر الأحوال والمناسبات، أن تتعلم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لكل عمل ومناسبة وحالة ذكرها، فإن الشرع رتب للمسلم أذكاراً في كل حال، ابتداءً من الاستيقاظ حتى تنام، إذا استيقظت قبل أن تفتح بصرك وقبل أن تشاهد أي شيء تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) كأنك تقول: يا ربِ أعطيتني فرصة أخرى كي أعبدك فلك الحمد، أعطيتني فرصة من أجل أن أصحح الخطأ وأعمل العمل الصالح فلك الحمد يا ربِ! لو أردت لجعلتها موتةً واحدةً، وبعد ذلك كيف أصلي؟ كيف أستغفر؟ كيف أعمل؟ ولكن من فضلك ورحمتك ومنتك أن أعدتني إلى الحياة فأقول أنا: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) وبعد ذلك تخرج إلى الحمام وتقدم رجلك اليسرى وتقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم.

وتقضي حاجتك، ثم تخرج وتقدم رجلك اليمنى، وتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك.

وبعد ذلك تلبس الثوب وتذكر الله، وتنظر إلى المرآة أمامك وتذكر الله، تخرج إلى المسجد وتذكر الله، هناك أذكار معينة إذا دخلت المسجد، وإذا خرجت من المسجد، وإذا عدت إلى البيت، وإذا أتيت زوجتك، وإذا أكلت طعامك، وإذا رأيت البرق، أو سمعت الرعد، أو نزل المطر، كل حال من أحوالك عليها خاتم الذكر، ويجب أن تتعلم هذه الأذكار، وهذه يسمونها: أذكار الأحوال والمناسبات.

الذكر الرابع: الأذكار العددية، التي عدها الشرع وحدها بعدد معين، وتعبدنا بعددها مثل: (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده؛ غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر) وهذا الحديث في صحيح مسلم وهو حديث صحيح، والعاملون به قليل؛ لأن الشيطان يأتيك وأنت تصلي ويذكرك ويقول: قم الحق امش، من أجل ألا تقعد دقيقتين فقط تذكر الله فيها.

شخص من الإخوان بدأ يقولها: سبحان الله سبحان الله بأحسن أداء، وحسبنا الوقت فوالله ما أخذت دقيقتين، لكن الشيطان يخرجك من هنا ويجعلك تضيع وقتك فتجلس مع رفاقك عشر دقائق في السوق، لكن هنا لا تجلس دقيقتين! فلا بد أن تقول هذا الدعاء عقب كل صلاة، كما في الحديث: (من قال عقب كل صلاة) لأنه ليس في العشاء فقط، وفي الفجر تتركها ولا تقولها، وفي الظهر ترجع من الدوام ولا تقولها، وفي العصر تذهب لكي تنام، لا، بل عقب كل صلاة لا تقم -ولو احترقت الدنيا، وأنت في المسجد- إلا بعد أن تكملها، دقيقتين -يا أخي- وبعد ذلك قلها بأداء صحيح وقلبك حاضر، ليس كما يفعل أكثر الناس، نرى الناس يُسبحون ولا ندري كيف يقلقل قلقلة؟ هل هذا تسبيح؟ متى سبح؟ ويتلفت في المسجد هل هذا تسبيح؟ هذا لعب! لا تتلفت انظر في أصابعك، تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، هذه -والله- إنها كالذهب.

فالآن عندما تستلم راتبك كيف تعده، هل تعده وأنت تتلفت أم أن عينك في النقود وتفحصها؟ ولو أن واحداً جاء يسلم عليك وأنت تعد الفلوس هل تسلم عليه؟ لا، والله! ما ترد السلام عليه، وإذا بك بعد ما تنتهي تقول له: آسف -والله- كنت أعد الفلوس، هذه فلوس ما هي لعبة! فالفلوس لا نضيعها، لكن التسبيح كم سبحت قال: لا أعلم، نسأل الله أن يتقبل! لا -يا أخي- عدها إن (سبحان الله) أعظم من الدنيا وما عليها.

يُحكى أنه في ذات مرة مرَّ سليمان بن داوُد هو وحاشيته وجنده على بساط تحمله الريح، البساط الذي يسره الله له وسخر له الريح تمشي بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، الغدوة مسيرة شهر، والروحة مسيرة شهر، ثم هي بأمره إذا قال: انزلي أنزلته، بلا مطارات، وبلا وقود، سفينة ربانية! فمر على مدينة من المدن فحجب البساط ضوء الشمس عن الأرض، وكان هناك فلاح في الأرض يعمل فرفع رأسه وقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً.

فسمعه سليمان عليه السلام وهو على البساط، فأمر الريح أن تُنزِله فأنزلته وجاء إليه وقال له: ماذا قلت؟ قال: ما قلت شيئاً، فخاف؛ لأن سليمان ملك ونبي، قال: لم أقل شيئاً، قال: بلى قلت، فماذا قلت؟ قال: قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فقال سليمان: والذي نفسي بيده! إن الكلمة التي قلتها أعظم عند الله مما أوتي آل داود.

سبحان الله! تعظيم لله وتنزيه لله، فعليك أن تسبح عقب كل صلاة وقد ورد أيضاً حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم وفيه أيضاً عدد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان كمن أعتق عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجلاً قال مثل ما قال أو زاد، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذاك) فهذه خمس كيف تضبطها بالعدد بأن تعد، وهذه هي الأذكار العددية.

النوع الخامس: الذكر المطلق، أن تذكر الله على كل حال وفي كل حين، وأفضل ما يذكر الله به: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذ هن الباقيات الصالحات، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح قال: (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وغربت).

كم أشياء طلعت عليها الشمس وغربت من المزارع والمباني والبنوك والعمارات، ولكن هذه الأربع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل ذلك.

فهذان عنصران هما: قراءة القرآن وذكر الله.