للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يوم التناد]

من أسماء يوم القيامة: (يوم التناد).

أي: إطلاق النداءات، وهذا دائماً يحصل في الكوارث، فإذا ما حصل حريق -عافى الله المسلمين- في بيت، ماذا يحصل؟ الكل يصيح، اتصلوا بالمطافي، هاتوا ماء، قربوا ابعدوا انظروا، هذا يصيح، وذاك يصيح، ويوم القيامة ليس حريقاً معتاداً، إنما هو حريق العالم كله، الأرض كلها تحترق، والعالم في رهبة وخوف لا يعلمه إلا الله، والناس في نداءات، وصراخ، وصياح، وأمور مشكلة عليهم، يقول الله عز وجل، كما قال مؤمن آل فرعون وهو ينصح قومه: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:٣٢ - ٣٣].

وسمي بذلك لكثرة ما يحصل فيه من النداء والصياح، فكل إنسان يُدعى ويُنادى باسمه للجزاء وللحساب، يسمعه أهل الموقف كلهم، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما قال عز وجل: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٤] وينادي أهل النار أصحاب الجنة: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:٥٠] وأهل الأعراف ينادون {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف:٤٨] ويُنادى في ذلك اليوم على المؤمن: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فيبيض وجهه ويأخذ كتابه ويقول لأهل الموقف: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤] وينادى على الرجل من أهل النار باسمه الذي يعرف به في الدنيا يسمعه أهل الموقف: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويعطى كتابه بشماله: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٥ - ٢٧].

فهذا يوم النداءات يوم التناد، مثل يوم -ولله المثل الأعلى- ظهور النتائج في المدارس، لا توجد إلا بيانات تقرأ من الميكرفون، الناجحون من الصف السادس إلى المتوسط، الناجحون من الخامس إلى السادس، الناجحون من الثالث إلى الرابع، وتظهر قوائم ونداءات الراسبين والمكملين، ناجح وساقط فقط، هل ينفع في ذلك اليوم عمل؟ ما رأيكم لو أن أحداً من الساقطين يوم ظهور النتيجة قال: يا جماعة أريد أن أعمل الآن! يقولون له: طارت الطير بأرزاقها، ما معك إلا ما معك، كنت ذاكرت بالأمس، -أمس ذلك اليوم- ذاكر الآن واعمل صالحاً الآن قبل أن تموت، وتلقى الله في يوم النداءات، وينادى عليك بين الخلائق، فضيحة والله ما أعظم منها فضيحة، أن تدعى باسمك، ويقال: أنت شقي، ويعرف كل الناس أنك شقي وعدو لله ملعون في النار، وفخر والله عظيم -يا أخي- أن يدعوك الله على رءوس الخلائق، ويقال: إن فلاناً قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.