للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم معرفة الوسائل الشرعية في علاج الخلافات]

أيضاً من الأسباب: عدم معرفة الوسائل الشرعية في علاج الخلافات الطفيفة التي تحصل في الأسرة؛ فيتبادر إلى ذهن الزوج والزوجة عند حدوث أي خلل إلى الطلاق، لا يرى علاجاً إلا الطلاق، ولا ترى هي علاجاً إلا أن تقول: طلقني، أو اذهب بي إلى أهلي، وهذا خطأ، فإن الطلاق آخر مرحلة، والله سبحانه وتعالى قد جعل سبع وسائل لعلاج الخلافات الزوجية قبل الطلاق: أولاً: قال عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:٣٤] التعليم، إذا رأيت أنها عاصية فعلمها، إذا لم ينفع التعليم: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:٣٤] وسيلة ثانية: إذا لم ينفع التعليم توليها ظهرك وتهجرها في المضجع، تنام في مكان غير الذي الذي تنام فيه، في غرفة واحدة لكن في فراشين مختلفين، ثم إذا لم ينفع هذا: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:٣٤] ضرباً غير مبرح ويجتنب الوجه، ولا يسيل دماً ولا يكسر عظماً وإنما مثل اللطمة في غير الوجه أو اللكمة أو ما شابهها، ثم إذا ما نفعت هذه الثلاث الوسائل: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:٣٥] إذا كان الخلاف مستمراً فنأتي بشخص من هنا وشخص من هنا، ويأتون بالمشكلة ويحلونها، وإذا ما نفعت هذه مرة فيطلق الرجل الطلقة الأولى، لكن بشروطها: أن تكون واحدة، ثم في طهر لم يأتها فيه، لا يطلقها وهي حائض، ولا يطلقها وهي طاهرة لكن قد جامعها، وإذا حصل الطلاق بهذا وقع لكنه آثم؛ لأنه طلاق مبتدع، وطلاق السنة: أن يطلق الرجل في طهر لم يأتها فيه طلقة واحدة، أعطاها فرصة، ثم رأى أن الوضع يمكن أن يصلح راجعها، ثم إذا لم ينفع ذلك يطلق الثانية، وانتهت الحياة الزوجية ولم تعد تصلح إلا مرة واحدة: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} [البقرة:٢٢٩] {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [النساء:١٣٠] أما أن يأتي شاب تزوج قريباً، وبمجرد خلل بسيط طلق، أو قالت: طلقني، قال: خذي، فلا يجوز أن يلجأ الرجل إلى الطلاق ابتداءً، ولا يجوز للمرأة أن تسأل الرجل الطلاق ابتداءً، بل الطلاق آخر الحلول، وينبغي أن نسلك الطرق الشرعية في حل الخلافات الزوجية دون اللجوء إلى الطلاق إلا في الظروف الضيقة جداً، والتي تنتهي به آخر الحلول وبالتالي نضمن -أيها الإخوة- سعادة الأسر وسلامتها، واكتمال بنيانها، ودوامها واستمرارها، وعدم تشتت أبنائها وبناتها؛ لأن معظم المشاكل -أيها الإخوة- ومعظم الانحرافات التي تلاحظ الآن عند الشباب، في المدارس، وفي السجون، وفي دور الملاحظة بالبحث والتقصي؛ وجد أن سبب الانحرافات ناتجة عن سوء العشرة في البيوت، فالبيت الذي فيه الأب يلعن المرأة ويضربها ويسيء عشرتها، ينشأ الأولاد على هذا الخلق، والبيت الذي تكثر فيه الخلافات تتولد في نفوس الأولاد العقد النفسية، والمشاكل الاجتماعية، لكن البيت المتفاهم تجد الأولاد أذكياء، لماذا؟ لأنهم لا يعرفون مشاكل، ولا يعرفون خلافات، ولا يعرفون العقد، تأتي وهم متفوقون في الدراسة، لكن يأتي الطالب في المدرسة ولا يعرف شيئاً، مسكين مشتت، خرج من البيت وأبوه وأمه يتضاربان، أو يتلاعنان، فيذهب إلى المدرسة ويقول: ماذا أعمل؟ أمي وأبي يعملون كذا، وينشأ عنده مرض في نفسه، فتنسد نفسه عن الدراسة، ثم ربما يقع ضحية للإجرام، ويقع في الفساد بأسباب تلك المشاكل.

وهناك أسر تحطمت، فالولد في بيت أبيه ليس مع أمه، أو عند أمه وليس مع أبيه، فلا يجد الولد عند أبيه أماً تحنو عليه، ولا تجد البنت عند أمها أباً يحميها ويشفق عليها، فتسلك سلوك الانحراف، أو يسلك الولد سلوك الانحراف بأسباب تصدع بنيان الأسرة بوجود الطلاق.

فحتى نحمي -أيها الإخوة- مجتمعنا، ونحمي أبناءنا وبناتنا وأفرادنا علينا أن نحمي أسرنا، وأن نتعامل مع أزواجنا وفق آداب الشرع، وأن نبحث عن المشاكل وأسبابها، ثم نعالجها بالعلاج الشرعي.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإيمان القوي، وأن يوفقنا للعمل الصالح، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمة الدين والأمن والطمأنينة والاستقرار، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.