للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية مرافقة العمل للدعاء]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: أسعد الله أوقاتكم، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على الهداية، وفي الآخرة في دار الرحمة والغفران، وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وهذا الدعاء ينبغي أن يرافقه العمل؛ لأن العلماء يقولون: إن المؤمن يعيش دائماً بين الخوف والرجاء، الخوف من عذاب الله، والرجاء في رحمة الله.

ومن الرجاء والخوف ما يكون رجاءً وخوفاً حقيقياً, ومنها ما يكون رجاءً وخوفاً صورياً كاذباً.

والرجاء الحقيقي: هو الذي يكون مصحوباً بالعمل.

والخوف الحقيقي: هو الذي يكون مصحوباً بالامتناع عن المحرمات، والقيام بالفرائض والواجبات.

أما الذي يرجو رحمة الله دون أن يتعرض لها، ويخشى عقاب الله دون أن يهرب منه، فهذا رجاؤه كاذب، وخوفه كاذب.

وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم نماذجاً من الرجاء الصادق، فقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:٢٩].

عملوا المقدمات التي يبرهنون بها على أن رجاءهم صادق.

وأضرب لكم على ذلك مثالاً لمن يرجو الرجاء الصادق، ومن يرجو الرجاء الكاذب: لو أن إنساناً يريد نعمة الولد؛ ونعني بالولد: الذكر والأنثى؛ لأنه إذا أُطلِق، فهو يُراد به الجنسَين، حتى لا يظن أحد أن المراد به الذكر دون الأنثى، يقول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:١١] {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:٢٣٣]، إلى غير ذلك من الآيات، فالذكورة والأنوثة تندرج تحت لفظ الولد، فإذا أراد رجل أن يُنعم الله عليه بنعمة الولد؛ لِمَا تحدثه هذه النعمة من زينة في هذه الحياة؛ فإن الله قد نص على هذا في القرآن فقال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٤٦]، ولا يستطيع الإنسان أن يعرف قدر هذه الزينة إلا إذا مارس أسبابها -إذا تزوج- ووجد أن قطعة من جسده وفلذة كبده تسير على الأرض أمامه؛ فإنه يحس بنوع من الجمال تضفيه هذه النعمة على حياته.

فلو أراد إنسان هذه النعمة وجلس يدعو ويرجو الله أن يرزقه ولداً، دون أن يتزوج، فهل يُسمى هذا الرجاء رجاء صادقين؟! لا.

إذا أردتَ أن تُرزق هذه النعمة فإنك لا بد أن تتزوج، ثم بعد ذلك تطلب من الله أن يرزقك الولد، ولكن إذا ظللت في الصباح والمساء تطلب من الله أن يرزقك بولد يملأ عليك الحياة سروراً وحبوراً دون أن تتزوج؛ فإن هذا يُسمى: رجاء الكاذبين؛ لأن لله سنناً في الكون، لا يُنَزِّل لك ولداً من السماء هكذا بدون زوجة، بل لا بد أن تتزوج.

وكذلك لو أن عند إنسان مزرعة، وهذه المزرعة قابلة للحراثة، وقابلة للزراعة، ولكن الرجل كسلان، لا يستطيع أن يعمل فيها، ويزرعها، ويسقيها، ويتعهدها، فجاء إليها، وطلب من الله عز وجل أن يزرع له هذه المزرعة، وأن ينبت فيها الأشجار، وأن يوجد فيها الثمار، وأن يشق فيها الآبار، وأن تكون خضراء صيفاً وشتاءً، ودعا بأدعية كثيرة، فهل يمكن أن يكون هذا؟! وطلب من الله عز وجل وقال: اللهم أنزل لي (دَرَكْتَرات) من السماء و (حراثات) من عندك، يا رب العالمين، وعمالاً يعملون فيها بالليل، وآتي في النهار وهي مزروعة.

هذا دعاء المغفلين! لا يمكن أن يحصل هذا! متى تكون راجياً وداعياً حقيقياً؟! إذا جئتَ على المزرعة، فنظَّفتَها، ثم حرثتَها، ثم بذرتَها، ثم أسقيتَها، وبعدما انتهى كل شيء مما عندك، بقي ما عند الله، وما هو؟ هو الإنبات، {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:٦٤]، فتأتي فتقول: اللهم أنبت لنا الزرع، اللهم بارك لنا في ثمارنا، اللهم احفظها من الآفات.

هنا يكون دعاؤك ورجاؤك دعاء الصادقين، الذين أخذوا بالأسباب وتعرضوا لها، واعتمدوا على مسببها وهو الله عز وجل.