للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة الأقارب وغيرهم]

الأمر الرابع: أن يبدأ الشاب الإصلاح من بيته، أي: يبدأ بأمه وأبيه؛ لأن من الشباب من إذا التزم واهتدى هجر بيته، ولا يأتي البيت إلا من الليل إلى الليل، يخرج مع الفجر ويرجع الساعة الثانية عشرة لينام، فترى الأم والأب أن في هذه الهداية ضرراً كونها خسرتهم ولدهم، وولدهم عندهم غالٍ، قالوا: والله الولد من يوم أن اهتدى لم نعد نراه، إذاً لا نريده يهتدي، نريده أن يجلس في البيت، المفروض بمجرد أن اهتديت والتزمت أن تعطي للبيت أكثر مما كنت تعطي في الماضي، وأن تشعر أمك وأباك وإخوتك بأنك إنسان جديد، أثرت فيك الهداية والالتزام وجعلتك أكثر عطاء وإنتاجاً واحتكاكاً واهتماماً بمشاكل الأسرة وخدمة البيت منك في الماضي، فتلازم البيت بالليل والنهار، ولا تخرج إلا للصلاة، أو لحضور جلسة علم، أو لزيارة أخ في الله وعلى فترات متباعدة: (زر غباً تزدد حباً) لأن بعض الشباب يكثر الزيارة لإخوانه، كل يوم وهو عند فلان، كل يوم وهو جالس معه، حتى إن أهله يقولون: جاءنا رفيقك، لكن لو جعلتها كل عشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً وجئت تزوره مرة، جلست معه جلسة مفيدة على كتاب علم، أما كل يوم وهو في جلسة، (وسوالف) وضحك وكلام، ماذا قال فلان وماذا قال علان، وليس هناك مصلحة، فهذا غلط لا يصلح، اجلس في البيت باستمرار، بعد ذلك قدم خدمة للأب، إذا رأيت أن أباك يريد أن يباشر أي عمل من أعمال الأسرة قل: يا أبت! أنا أكفيك هذا العمل، يذهب ليقضي حاجة، يقول: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد كذا وكذا وكذا، قل لهم: أنا آتي به، يقولون لك: لا تعرف، لا.

والله يا أبي لابد أن أعرف، أريد أن أعرف أنني رجل؟ سوف يقول لك: يا ولدي ترى أصحاب السوق هؤلاء يزيدون في الاسعار فانتبه، قل: حدد الأسعار وأنا آتي بالاجة بأقل سعر، يعطيك الكشف وتأخذ النقود، وتنزل إلى السوق ولا تشتري إلا بأقل سعر، وأجود بضاعة، وبعد ذلك ترجع إلى أبيك وتسلم البضاعة كلها، وتقول: يا أبي! أخذنا (برتقالاً) بخمسة عشر، وأخذنا (اليوسفي) بعشرة، وأخذنا (بطاطساً) بعشرة، المجموع: مائة وعشرون ريالاً وأنت أعطيتني مائة وخمسين بقيت ثلاثون تفضل، يقول أبوك: خذها لك، لا والله لا آخذها ماذا أعمل بها، يا أبي الذي في جيبك في جيبي، ما رأيك في أبيك هذا يحبك أم لا؟ لكن بعض الأولاد إذا أرسله أبوه قال: مشغول، عندي موعد، عندي التزام، يتهرب، فإذا ذهب مرة وأرسله أبوه أخذ النقود أعطاه أبوه مائتي ريال وذهب إلى السوق وما نزل من السيارة بل يدعي الحمال من هناك: يا ولد أعطني (كرتون) برتقال، أعطاه (كرتوناً) من أخس (الكراتين) وبكم؟ قال: بأربعين ريالاً، قال: تفضل، وأعطني صندوقاً من الطماط، قال: بكم؟ قال: بخمسين ريالاً، (خايس) ورجع البيت دخل على أبيه أين المقاضي؟ قال: تفضل، بكم؟ والله اشتريت بثلاثين وأربعين وعشرين والباقي أريده لي فإني محتاج إليه، ووضع الباقي في الجيب، النقود مائتان والمقاضي لا تسوى ثلاثين ريالاً، ما رأيك هل يرسله مرة ثانية؟ لا والله لا يرسله، يقول: (تعب الساق ولا تعب القلب) أنا سأذهب لأشتري الحاجيات بنفسي والله يعينني على هذا الولد، وبعد ذلك تأتي تقول له، وأنت قد أخذت النقود عليه، واشتريت له (برتقالاً) فاسداً (وطماطاً) فاسداً، تقول له: يا أبي الصلاة الدين الالتزام، يقول: اذهب يا كذاب، يا سارق النقود، اذهب أنت ودينك، لا أحد يعتمد عليك على شراء (طماط)، وتريد مني ديناً، اذهب يا دجال، وبعد ذلك يكرهه ويكره الدين؛ لأنك صورت الدين أن هذا خُلُقُ الدين، لكن لو أنك صادق في معاملتك، وخدوم لأبيك، إذا جاء رجل فإذا بك موجود تصب القهوة، إذا طرق الباب أحد فإذا بك موجود ترد، وتفتح الباب، وتخدم من في البيت.

وبعد ذلك جاء وقت المغرب قلت: يا أبي! قالوا هناك ندوة للشيخ الفلاني في المسجد الفلاني، فماذا يقول أبوك، يقول: صدقت جزاك الله خيراً، إي والله يا ولدي نذهب إليها، ما معنا إلا الله عز وجل والآخرة؛ لأنك أعطيته خدمة، وأمانة، وبذلاً، ولا بد أن يعطيك هو، لأن التبادل في المصالح حاصل في البشر كلهم، لكن أنت تأخذ منه ولا تريد أن تعطيه، لا يقبل منك، واليوم الأول والثاني يأتي معك، ويصبح في يوم من الأيام وهو مهتد وكانت هدايته على يديك.

عظيم جداً -يا أخي- أن تأتي يوم القيامة بأبيك وأمك في ميزانك، أم أنك لا تريد؟ فما رأيك المسئولية على من؟ من تتصور أن يقوم بهذا الدور؟ ومن تتوقع منه أن يدخل على أمك ليهديها في البيت إذا أنت لم تقدر على هدايتها؟ وبعض الناس يأتي على أمه فلا يعاملها معاملة حسنة، بل يكون كلاً عليها في تغسيل ملابسه، وترتيب غرفته، وتنظيم كتبه، وبعد ذلك لا تجد منه منفعة أبداً إلا الأوامر، أما الأوامر ما شاء الله، فهو مثل ضابط في الجيش، قوموا اقعدوا هذا حرام هذا حلال لا تعملوا فكوا قولوا، والأوامر هذه لا تنفعك -يا أخي- لأنك أنت في موطن الضعف والقلة، لست الأب ولا صاحب الأسرة، فلا يسمع أحد أمرك؛ لأن من عرفك صغيراً حقرك كبيراً، فيرفضونك وبالتالي يرفضون الدين، وتتولد عندهم عقد ضد الإسلام وضد الدين، وأنت السبب.

أحد الشباب جاءني مرة يشكو أمه، يقول: إذا شاهدتني ودخلت رفعت صوت الأغاني، وإذا خرجت للسوق فإنها تتبرج كي تعاندني، يقول: وضدي، إذا قلت لإخواني صلوا تقول: لا تصلوا، قلت: كيف سلوكك معها؟ فإذا به من هذا الطراز الذي هو أوامر بس، قلت له أولاً: لا تقل لها من الآن ولا كلمة، أنت نفسك خذها بالكمال أما هي فلا، بعد ذلك قم بخدمتها، قال: كيف أعمل؟ قلت: إذا تغديتم وقامت لتأخذ الصحون، قل: والله لا يأخذها إلا أنا اليوم، دعيني أتعلم، ربما غداً أصير عزوبياً فلا أدري كيف أعمل، وخذ الصحون، قل لها: أنتِ عليك الطبيخ وأنا عليَّ الصحون باستمرار، وعند تغسيل القدر ضع ماءً حاراً وماءً بارداً وقليلاً من الصابون واغسله واغسل يديك وانتهيت، واسكت فقط اغسل الصحون باستمرار، وإذا رأيتها تكنس في غرفة، فادخل الغرفة الثانية قل: والله لا يكنس هذه الغرفة إلا أنا، والكنس آلة تدفعها أمامك لا يوجد تعب ولا شيء، إذا جاء الغسيل قل: المفروض أنا الذي أغسل ثيابكِ، ولا تغسلين ثيابي أنت، لا يغسل اليوم إلا أنا وأنت فقط علميني كيف؟ وبعد ذلك قم بالخدمة لها، وانظر ما ترى.

يقول: عملت العملية هذه، وبعد أسبوع أو عشرة أيام، وإذا بأمه تتغير نحوه، وإذا بها تقول: الحمد لله الذي هداك يا ولدي، (تعتبر الهداية تغسيل الصحون) قال: الحمد لله يا والدتي، قالت: يا ولدي ما رأيك في الأغاني هذه والله إني أكرهها؟ قال: ليس فيها شيء تريدين أن تسمعيها اسمعيها، أما أنا لا أحبها، قالت: والله لا أسمعها من أجل خاطرك.

وبعد ذلك قالت له: ما رأيك في السوق؟ أنا دائماً أخرج أقضي أغراضي، قال: والله ليس في ذلك شيء، المهم أن تتحجبي، قالت: أعوذ بالله من السوق هذا والله لا ينزله إلا الذين ليس فيهم خير، لو تشاهد يا ولدي! ما فيه من منكرات، والله يا ولدي! إن فيه منكرات تشيب منها الرءوس، ونعرف أنك كنت تتضايق ولكن والله لا أذهب إلى السوق، سبحان الله! من أجل غسيل الصحون، طيب هذه الإيجابية وهي أن تعطي أمك شيئاً من الطاعة والبر والخدمة والإحسان والمعاملة، تأخذ منها ماذا؟ هداية، وطاعة لله ورسوله، ومعاونة لك على الدين، بعض الشباب هجر أهله وسكن في صندقة أو في عزبة مسجد، ماذا بك؟ قال: أهله فيهم فاسد، والله أنت الفاسد، والله لو أن فيك خيراً لكان أول خيرك يأتي لأهلك، أهلك ليسوا كفاراً -يا أخي- صحيح لو أننا في وسط اجتماعي كافر، يعني كان أبوك كافراً لا يعرف الله، هناك له حكم، أما أن يكون أبوك مسلماً وأمك مسلمة لكن عندهم ذنوب ومعاصٍ، ولم تستطع أن تعالج الذنوب، بل زدتها، تريد أن تكحلها فعميتها.

فنقول للشباب: عودوا إلى مراكزكم، وبيوتكم وطاعة آبائكم وبر أمهاتكم، والإحسان إلى جيرانكم وأقاربكم، اذهب لرحمك وادخل عليه، أحد الناس يقول: إن له رحماً يشرب (الشيشة) يقول وكلما دخلت عليه ورأيت أنه قد خرج أخذت الشيشة ورميتها في الزبالة، يقول: وآتي فإذا هناك (شيشة) جديدة، يقول: وأرميها، وآتي يقول: ماذا أعمل؟ قلت: سبحان الله! أنت لم تعرف كيف تدعو إلى الله -يا أخي- القضية ليست قضية (الشيشة) (الشيشة) إذا ذهبت يأتي بعشر (شيش) وبعد ذلك هو عارف أنه لا يكسر (الشيشة) إلا أنت، ولذا يعاندك ولا يسمع كلامك، ولا يهتدي وأنت موجود، حتى لو أراد سماع موعظة في مسجد، وأراد أن يهتدي، قال الشيطان: والله سوف يقولون: فلان هو الذي أثر عليك، كثير من الناس الآن يرفض الهداية من أجل عناد شخص من أقاربه؛ لأن الداعية لم يستعمل الرفق واللين معه، قال: ماذا أعمل، قلت: يا أخي! ليس لك علاقة (بالشيشة) (شيشته) له، وما أنت عليه مسيطر ولا لك عليه سلطان، سيطرتك على نفسك، قدرتك على زوجتك وأولادك ومن في بيتك، أما أبوك وأمك وإخوانك وأرحامك وجيرانك وأقاربك ليس لك عليهم سبيل، لك عليهم الدعوة باللطف وبالتي هي أحسن: ببيان الحق، بالصبر على أذاهم، وبعد ذلك إذا غرس الإيمان في قلوبهم بدت آثاره على جوارحهم، أما أن تأتي وتأخذ (الشيشة) هو سيشتري شيشتين، فلا بد -يا أخي- من اللطف مع إخوانك وجيرانك؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يريد أن يعالج الناس بغير الهدي النبوي يمرضهم، ويزيدهم مرضاً، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) الآن العكس، إذا دخل الشخص إلى بيته دخل ذئب على البيت، لا.

نقول: بشر برحمة الله، بشر بأمر الناس إلى طاعة الله، بعد ذلك يسر (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً) أما إذا كان حراماً فلا.

أما إذا كان كله في دائرة المباح خذ أيسر شي على الناس، خذهم بلطف، أنت قبل أن تهتدي، لو جاءك شخص بالأسلوب الذي أنت عليه مع الناس الآن فإنك لا تهتدي، لو أتاك شخص بالأسلوب هذا وجاءك بالعناد بطريقتك هذه لرفضته، لكن يقول الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْ