للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من خلق الأسنان]

حكمة الله عز وجل تلحظها أنت في خلق أسنانك، فعندما يولد الإنسان يولد وكل الحواس موجودة فيه، حتى الرأس فيه شعر؛ لكي لا يبرد في الليل إذا خرج، الله أعطاه شعراً يسمونه شعر البطن، لكن الله لم يعطه أسناناً، لماذا؟ لأن طعامه سوائل، هل يحتاج لأن يكسر بأسنانه؟ معدته لا تهضم إلا السوائل، ولو أعطيناه طعاماً ناشفاً، ولو فتحنا فم الصبي الذي ولد وأعطيناه أرزاً وقطعة لحم وحبة برتقال، ما رأيكم بهذا الصبي المسكين؟ يموت رأساً، معدته ضعيفة جداً جداً، ولا تستطيع أن تهضم السوائل إلا بصعوبة، ولذا لماذا يعطيه الله أسناناً وهو غير محتاج لها في هذا السن؟ فهل هناك مخلوق في الدنيا منذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا خلق وله أسنان؟ لا يوجد، فلو أعطاه الله أسناناً، وطعامه سوائل، والطفل هذا لا يعقل، وقامت أمه وأعطته الثدي وهو يريد أن تعطيه طعاماً، ومن حين يمسكه يعض بأسنانه، من يفكه؟ تقرصه أمه تفتح فمه، لكنه لا يعرف، مسكين، فحتى لا يعض أمه، ولأنه لا توجد حاجة للأسنان، فإن الله خلقه بدون أسنان.

وبعد سبعة أو ثمانية أشهر أصبح قوياً وعنده قدرة على الطعام، بدأ التمرين على الطعام الخشن، فأنبت الله له اثنتين فوق واثنتين تحت، لماذا؟ لكي يقطع بها الحلاوة (والبسكويت) والموز، لكن ما أعطاه الله ضروساً؛ لأن الضروس لا يطحن عليها شيئاً الآن، هو الآن يريد حاجة لينة قد أصبحت جاهزة يفصلها فقط لكن يطحنها فليس بمحتاج، بعد فترة أعطاه الله بجوار الثنايا هذه أنياباً لكي يخرق بها، وبعد ذلك وضع الله فوق الثنية ثنية، وفوق الناب ناباً، لكن لو وضع الله فوق الثنية ناباً لما قطعت، ولو وضع الله تحت الثنايا ضروساً لما طحنت، ولكن لأجل أن يصير الطحن مضبوطاً وضع الله فوق الضرس ضرساً، مثل الرحى التي لها واحدة فوق وواحدة تحت، ووضع الله فوق الثنية ثنية مثل المقص الذي جلب من فوق ومن تحت، وضع الله فوق الناب ناباً مثل (المخدر) الذي فوق وتحت لكي (يخدر)، وبعد ذلك استمر اكتمال الأسنان، تنمو السن إلى مستوى معين وتقف، لماذا لم يستمر نمو السن هذه إلى أن تصل إلى سرتك؟ ولماذا لم تطلع سنك هذه حتى تصل إلى رأسك؟ من علم السن في كل البشر أن يقف عند هذا المستوى، ولا يطول ولا ينقص ولا يقصر؟ الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

ثم بعد فترة أربع أو خمس أو ست سنوات يبدل الله لك أسنانك، فتلك أسنان ضعيفة أعطاها الله لك لأنك صغير، لكنك الآن تريد أسناناً قوية تعيش معك حتى تموت فييسر لك قلعها، تأخذ السن وترميه ويبدلك الله سناً غيره، والناس عندهم خرافة -لا أدري هل ما زالت موجودة، أم قد انتهت؟!! - إذا انقلع سنه أخذ السن وأبقاه معه.

ما بك؟ قال: غداً عندما تطلع الشمس.

وإذا كان اليوم فيه غيوم ولا توجد شمس فتراه يربطه في منديل أو يضعه في (غترته) أو في جيبه ويأتي في الصباح يأخذ سنه ويقول: يا عين الشمس! (خذي سن الحمار) يعني سنه هو كيف أصبحت سن الحمار وهي سنك؟ تعترف بأنها سن حمار، وأنت رجل؟ (وأعطيني سن الغزال!!) والله إن هذا الكلام كنا نعمله ونحن صغار، وما أدري هل العلم حرر الناس من هذه الخرافات أم أن بعض الناس لا زالوا يعملونها؟ وبعض المدرسين يفعلونها، أو بعض الثانويين؛ لأنه يخاف أن تأتيه سن حمار، سبحان الله! هناك شخص أراد أن يأتي بشيخ ليعظ الناس وهم كلهم فهماء وعقلاء، وبعضهم مدرسون وبعضهم جامعيون في قرية من القرى، فقال هذا الشخص: تعال يا شيخ ذكرهم بالله، قال: كيف أذكر البقر؟ فقال: هؤلاء بشر.

قال: أنا لا أذكر البقر.

قال: اتق الله، وأحسن الظن بالناس، هؤلاء بشر يفهمون وهم مثقفون.

قال: هل أعطيك دليلاً على أنهم بقر؟ قال: نعم.

فجمعهم وقام في المسجد يحدثهم.

وأتى بحديث -هو كذب- وقال: ورد في الآثار في بعض الكتب: أن من استطاع أن يمس أرنبة أنفه بلسانه أدخله الله الجنة.

فقام كل واحد يفعل ذلك، وكل واحد مد لسانه يريد أن يصل، يقول لهم: هل تقدرون الآن أن تفعلوها؟ ثم قال لصاحبه أرأيت أنهم بقر؟ أول شيء ليس من المعقول أن الواحد يمس أرنبة أنفه بلسانه؛ لأنه توجد مسافة بعيدة، وحتى لو كان أحدهم لسانه طويلاً فلماذا يدخله ربي الجنة؟ على أساس أن لسانه وصل إلى أنفه؟ يعني أن هذا العمل معجز بحيث إنه يستحق الجنة على هذا؟ فوقف الرجل بعد أن مدوا ألسنتهم قال: يا جماعة! أرأيتم أنكم بقر؟ وأعطاهم درساً ووعظهم وقال: شغلوا عقولكم.

فنحن من قبل لم نكن نشغل عقولنا، نرى الناس يأخذون السن ويقولون: سن حمار ويرجم بها في عين الشمس، وبعد ذلك تنتهي السن عليه، أنا والله قد عملتها وانتهت السن عليَّ، أي: أن الشمس لم تمد يدها وأخذتها وإنما رميت بها هكذا وعادت السن، فتركته مكانه ولم آخذه.

فحكمة الخلق في الإنسان ظاهرة في كل شيء في الفم ورشة متكاملة عبارة عن قواطع وطواحن و (كريك) هو هذا اللسان، وهناك أنابيب لإفراز اللعاب لكي يخلط الطعام، وبعد ذلك يمضغ ويطحن ويجهزه، وأنت الآن عندما تأخذ الطعام وتمضغه وتخرجه تراه قد أصبح جاهزاً للهضم، فينزل على المعدة، والمعدة دورها ليس المضغ؛ لأنه ليس فيها عظام، المعدة دورها الهضم، والهضم هو عملية تحليل الطعام، فهي تفرز حمضيات قلوية شديدة وحامضة أيضاً، ولهذا عندما يصاب بعضهم بقيء فإنه يخرج منه شيء أصفر حامض جداً، هذا هو المادة الموجودة في بطن كل إنسان، إذا أفرزت هذه المادة على الطعام حللته، وبعد التحليل مرة واحدة يذهب ينتقل إلى الأمعاء، ومن الأمعاء يذهب ويتوزع على الدم، ومن ثم إلى الجسم.

فبعض الناس يستعجل على الأكل فما يمضغ الطعام جيداً، بل يأكله بسرعة، ويأخذ اللقمة، وبدلاً من أن يمررها على الأسنان لكي تمضغها وعلى اللسان، لا، رأساً من فمه على بوابة البطن، وعندما ينزل إلى المعدة تأتي المعدة المسكينة ليست قادرة على هضمه؛ لأنه طعام ليس مطحوناً، وليس جاهزاً، فتضطر أنها تفرز مواد أكثر حتى تهضمه وتتغلب على هذه المشكلة، وهذا التغلب يحدث لها أمراضاً في المستقبل وهو ما يسمونه بقرحة المعدة، وعسر الهضم، وسوء الهضم، ومشاكل المعدة كلها بأسباب أن الإنسان يأكل الطعام ولا يمضغه جيداً، ويستعجل في بلعه قبل مضغه وقبل تحسينه.