للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الجنة ونعيمها]

هذه الجنة -أيها الإخوة- لدخولها أسباب، وقبل أن نعرِّج على الأسباب نريد أن نصفها كما وصفها الله في كتابه لعل القلوب تشتاق إليها:

هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باقٍ وليس بفان

أو ما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بعيان

ويرونه من فوقهم سبحانه نظر العيان كما يرى القمران

هذه الجنة أعد الله عز وجل فيها من النعيم ما لا يمكن أن يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:١٧] كل ما خطر في ذهنك اسرح بالخيال الجنة بخلافه، يقول عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].

ويقول عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:٥ - ٦].

ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٤ - ٥٥].

ويقول عز وجل: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:٤٦].

ويقول عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:٧٠].

الحبور: هو غاية البسط والمنى، أي: يعيش الإنسان في حبور.

يقول العلماء: السرور حالة من الانبساط لكنها لا تستمر، تنبسط يوماً ثم يأتيك ما يغير عليك.

أحلى اللحظات عندك -أيها الإنسان- أنك في بداية عمرك، إذا تزوجت تعيش شهراً أو أيام العسل، لكن هل يستمر هذا الشهر أو الأسبوع، بعضهم تحصل لهم مشاكل مع زوجاتهم ثاني يوم أو مع عماتهم أو مع أعمامهم فلا يجد السرور، لكن الحبور قالوا: هو السعادة والنعيم الذي ليس له منغص، وهو في الجنة، يقول عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٠ - ٧٢].

هذه الجنة وهذا النعيم بالإضافة إلى كونه لا يتصور أيضاً هو نعيم دائم، والنعيم الدائم ليس كالنعيم الزائل، الآن مرحلة الشباب والفتوة والقوة مرحلة من مراحل العمر، أي: فترة ذهبية في حياة الإنسان، لكن هل يستمر الشباب؟ لا.

ستعيش أياماً ثم يأتيك الشيب والشيخوخة، حتى قال الناظم:

ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

يقول: ليته يرجع حتى أريه ما فعل المشيب فيّ.

وقد قيل: إن رجلاً كبير في السن كان يمشي على عصا، وكان يمشي بخطوات ثقيلة، لا يستطيع أن ينقل رجله إلا بصعوبة.

وشاب آخر كان يمشي أمامه ويدق الأرض بأرجله، ويقول: ما بك لا تمشي بقوة؟! قال: الذي قيدني هو الزمن وهو الآن يعد قيدك؛ وسوف يقيدك بعد سنوات.

فالشباب ينتهي، والعافية تنتهي، والسرور ينتهي، والحياة في القصور تنتهي، وكل شيء من متاع الدنيا ينتهي، ويقف الإنسان بعد لحظة من لحظات العمر عند جدارٍ اسمه الموت وليس معه من الدنيا شيء، يقول الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:٩٤].