للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تلاوة القرآن وحفظه]

أول سبب وأعظم سبب تحصل به على أعلى مستوى وأعظم قدر من الإيمان: تلاوة القرآن وحفظه لأن الله جعل القرآن مادة الإيمان، يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢]، والقرآن نور، يقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:١٧٤]، ويقول عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة:١٥ - ١٦] أي: طرق الفلاح في الدنيا والآخرة، وما ترون اليوم في عالم الناس من جفاف في القلوب، ومن جمود وتحجر في العيون، ومن جُرأة على المعاصي، ومن كسل في العبادة، سببه الأول والأخير بُعد الناس عن القرآن، بعض البيوت يدخل الشهر ويخرج ولم تقرأ فيه آية أين الأسر التي تجتمع على القرآن؟ أين هم أيها الإخوة؟! يدخل الشخص بيته ويقول: هات القرآن يا امرأة! تعال يا ولد! تعال اقرأ آيتين من القرآن الكريم، وبعد ذلك تأخذ التفسير، لكن الآن يدخل الواحد إلى داره وإذا بشخص ينظر إلى المسلسل، وآخر يستمع إلى الأخبار، وآخر إلى الأغاني والشر نازل من القناة فاتحة الذراعين هكذا، ترحب بالشرور التي تلتقطها وتستقبلها، ويشتريها الواحد منا بعشرة آلاف من أجل أن يفسد أهله بما يسمونه (الدش)، صدقوا! إنه دش مليء بالشر والفضيحة أين القرآن؟ كيف يأتي الإيمان بهذا الأسلوب؟ أول شيء تلاوة القرآن وليست التلاوة هي القراءة التي نقرؤها نحن الآن، التلاوة هي أن تقرأ القرآن كما أنزله الله، تقرأ القرآن على شيخ، تبحث عن معلم للقرآن في أي مسجد، وتجلس عنده وتقول: يا شيخ! أريد أن أقرأ القرآن، والقرآن ليس صحيفة أو كتاباً بل هو كتاب ربك، الله يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:٤] وترتيل القرآن: هو معرفة مخارج الحروف ومواضع الوقوف، يقول ابن الجزري:

والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم

لأنه به الإله أنزل وهكذا منه إلينا وصلا

وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة

وهو إعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها

إلى آخر الجزرية فعليك أن تعرف تلاوة القرآن حتى تتلذذ بكلام الله، وبعد ذلك تدبر، كل آية تفكر فيها، ماذا يريد الله؟ وبعد ذلك تحفظ، تبدأ الحفظ من سورة (ق) إلى الناس، هذا اسمه المفصل، وبعدها احفظ البقرة وآل عمران؛ لأن حفظهما -أي: البقرة وآل عمران- بركة يقول عليه الصلاة والسلام: (البقرة أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) أي: السحرة لا يقدرون على البقرة، والبيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان، (إن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين أو كغيايتين يستظل بهما صاحبهما يوم القيامة)، فاحفظ البقرة وآل عمران -أقل شيء- والمفصل، وما استطعت عليه من السور، حتى يجعل الله في قلبك الإيمان.

أما إذا لم تحفظ القرآن فمن أين يأتيك الإيمان؟ ما الذي تريده أنت؟ ألست ترجو النجاة؟ يقول الشاعر:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس

فالذي يريد الإيمان يبحث عنه يا إخواني! الآن الذي يريد أن يشتري أرضاً ماذا يعمل؟ تراه يرابط في مكاتب العقار كل عشر دقائق ينتظر، وإذا نظر إلى الجريدة ينظر الإعلانات التي تخص الأراضي، وعمله وهمته الأرض حتى يجد أرضاً، وإذا أراد أن يبني فتراه في الأماكن والعمارات التي لا زالت تبنى، يدخل العمارة هذه وينظر كيف المخطط، وكيف المجلس والغرف، وكيف التفصيل والتشطيب، ويسأل هذا، وأين المهندس الجيد؟ وأين المنفذ الجيد؟ ومن الذي عنده أدوات؟ عمله هذا لأنه يريد عمارة، والذي يريد زوجة تراه يفكر في الزواج، ويسأل ويرسل أمه عند المناسبات والزواج، لتبحث له عن زوجة جميلة، ويقول: دعونا نتزوج والذي يريد الإيمان ما هو رأيكم؟ هل يبحث عنه أم لا؟ يبحث عنه، لكن كيف تحصل على الإيمان؟ عن طريق القرآن أولاً.