للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هجرة المسلمين الأولى وعودتهم منها]

وفي كل هذه الظروف كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة فراراً بالدين من بلاد الفتنة إلى بلاد الأمان، روى ابن إسحاق من حديث أم سلمة رضي الله عنها؛ لأنها كانت من المهاجرات، قالت: لما ضاق الأمر علينا بـ مكة وأوذي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان القوم لا يقدرون عليه -في السنة الرابعة والخامسة والسادسة ما قدروا على الرسول- لماذا؟ لأنه كان هناك أحد يمنعهم، وهو أبو طالب؛ كانت هناك منعة من قومه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكى الصحابة الضعفاء، قال: (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد -رجل عادل اسمه: النجاشي - فالحقوا ببلاده -يقول: هاجروا إليه- حتى يجعل الله لكم مخرجا) تقول أم سلمة: [فخرجنا إليها، حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نخش منه ظلما] الله أكبر! هذا الرجل صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما مات في مكة صلاة الغائب، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه تدل على أنه أسلم، وكلمة: النجاشي لقب يطلق على من يحكم الحبشة، مثل كلمة: فرعون، تطلق على من يحكم مصر، ومثل كلمة: قيصر أو كسرى، أو شاهين شاه، فكان هذا الحاكم اسمه النجاشي، لكن الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو ذلك الرجل الذي آوى الصحابة ونصرهم، فلما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يأتي معنا إن شاء الله بيان إسلامه وأنه دخل في دين الله سبحانه وتعالى.

طبعاً يروي ابن سعد في الطبقات أنهم خرجوا متسللين -سراً- لأن مكة لا تسمح لهم بالخروج، فخرج كل منهم منفرداً، وكانوا أحد عشر رجلاً وأربع نساء، وفي بعض الروايات أنهم كانوا عشرة، وفي بعض الروايات أنهم كانوا اثنا عشر، لكن الذي عليه جماهير المؤرخين أنهم كانوا أحد عشر رجلاً وأربع نساء، حتى انتهوا إلى الشعيبة، والشعيبة على بعد ستين أو سبعين كيلو من مكة المكرمة، وكان منهم الراكب ومنهم الماشي، ووفق الله عز وجل للمسلمين عندما وصلوا إلى الشعيبة بسفينتين للتجار، فحملوهم إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم في شهر رجب في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الفور خرجت قريش في آثارهم لملاحقتهم، ولكنهم لم يصلوا الشعيبة حتى وجدوهم قد ركبوا ورحلوا فلم يدركوهم والحمد لله.