للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف الجنة ونعيمها]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: فيا عباد الله! لقد خلقنا الله عز وجل لعبادته، وبين لنا الغرض الذي من أجله أوجدنا على ظهر هذه الحياة، فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٦ - ٥٨] وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:٦٤].

ووعدنا إن نحن أطعناه واستجبنا لأمره في الدنيا؛ بالسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة.

فأما في الدنيا فيقول عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] والحياة الطيبة التي يعنيها القرآن هي حياة القلب، والقلب لا يمكن أن يهدأ ويستريح ويبتعد عن القلق والحيرة والاضطراب والضلال إلا في ظل الإيمان بالله.

أما في الآخرة فقد قال الله عز وجل بعد هذه الآية: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] في الجنة ونعيمها، وحورها وقصورها، وبساتينها وأنهارها، ففيها ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] وكل ما خطر في ذهنك فالجنة ونعيمها بخلاف ذلك، وليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء، فهناك قصورٌ ولكنها ليست كقصور الدنيا، وهناك حور -يعني: نساء- ولكن لسن كنساء الدنيا، ويكفيهن وصف الله عز وجل لهن بقوله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] وقوله عز وجل: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] وقوله تبارك وتعالى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٣] {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٩] {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٨].