للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر قوله تعالى (وقرن) على النفس المؤمنة]

يقول الله تعالى: {وَقَرْنَ} [الأحزاب:٣٣].

قال العلماء: ما قال الله تعالى: اجلسن، امكثن، لا؛ لأن الماكث والجالس لابد أن يقوم، لكن قال الله تعالى: {وَقَرْنَ} [الأحزاب:٣٣] ولهذا عندما ترى جبلاً تقول: جبل جالس، أم جبل نائم؟ لا، تقول: جبل مستقر، والله تعالى يقول: استقري في بيتك كما يستقر الجبل مكانه، الأصل أن تبقى المرأة في بيتها ولا تخرج، حتى قال العلماء: ليس للمرأة خروج إلا مرتين في عمرها من بيتها: المرة الأولى: إلى بيت زوجها.

الثانية: إلى قبرها.

والآن، كم تخرج المرأة من بيتها في اليوم الواحد؟! لا إله إلا الله! والله إن الإنسان ليحس بألم شديد حينما يسمع أن المرأة لا تحب البيت؛ كلما دخلت البيت قالت: (متضايقة زهقانة قلقانه تريد أن تسجنني؟) دعنا نخرج بسبب ماذا؟ دوافع النفس الأمارة بالسوء، والواحدة لو قسرت نفسها على هذا، وألزمت نفسها، وقالت: يا نفس والله لا تخرجين، حتى ولو طاعة إلى المسجد لا تخرجين؛ لأنه ما الهدف من الخروج إلى المسجد؟ الصلاة؛ الصلاة للأجر الأكثر، هل الأفضل للمرأة أن تصلي وأجرها أكثر في بيتها أم في المسجد؟ لا شك والحديث قد أجاب على هذا: قال عليه الصلاة والسلام: (عباد الله! لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ثم قال: وبيوتهن خير لهن) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في غرفتها أفضل من صلاتها في سائر بيتها، وصلاتها في مخدعها -في المكان الذي تنام فيه- أفضل من صلاتها في غرفتها) لماذا؟ لأن المرأة جوهرة، ودرة، والشرع يحفظ هذه الجوهرة، ولا يريد أن تصل إليها عين، ولا تمتد لها يد إلا يد زوجها الذي استحلها بكلمة الله، لكن يوم تتبذل وتسترخص وتخرج، تصبح كالمنشفة التي يمسح فيها كل قذر قذارته، هذا يمسح بها عينه، وذاك يده، وذاك قلبه، وذاك أمنيته، وترجع وهي قد لوثت، وقد دنست وقذرت، وفُتنت وفَتنت، وعصي الله بسببها.

ما من امرأة تخرج من بيتها وتعرض نفسها للنظر إلا وهي ترتب للناس المعصية، كأنها تدعو إلى معصية الله، كل من ينظر لها أما عصى الله؟ نعم.

ثم من الذي جعل هذا الإنسان الذي في الشارع يعصي الله؟ لو جلست في البيت ما عصي، لن يذهب إليها وينظرها في بيتها، لكن لما خرجت متزينة متعطرة استشرفها الشيطان، وإذا تعطرت وذهبت حتى إلى المسجد فهي زانية، لماذا؟ لأن الله عز وجل أمرها بهذا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] لكن لما لم تقر فإن نفسها نفس أمارة بالسوء، فلا بد من المجاهدة لهذه النفس، والله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٩] قال العلماء: زكاها بطاعة الله، وبالتجنيب لها عن معصية الله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:١٠]، قالوا: دنسها بحرمانها من طاعة الله، وبوقوعها في معصيته، وقد تقول قائلة: إن طاعة الله فيها مشقة، ومعصية الله فيها راحة ولذة، أي: كونها تخرج وتتمشى في الأسواق وتجلس على (البلاجات) وفي الحدائق، والأرصفة، وعلى البحر، وتشم الهواء، هذه بسطة ومتعة صحيح فيها بسطة، لكنها بسطة ملغمة من الداخل بغضب الله وسخطه.

فلا بسطة مع اللعنة، ولا متعة مع الوعيد، والعذاب البسطة الحقيقة مع رحمة الله تعالى ورضاه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨] وكونها تجلس في البيت فيه صعوبة، لكنك تنتظرين ما أعده الله لك عنده في جنة عرضها السماوات والأرض، ويكون هذا إذا حرمت السير في الشوارع، والجلوس على الأرصفة، والتنزه في الحدائق، والجلوس على الكورنيش، فلن تحرمي إذا مت من الجلوس على ضفاف أنهار الجنة، في جنة عرضها السماوات والأرض: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

هذا إذا كنا مؤمنين بهذه الجنة، أما إذا لم يكن مع المرء إيمان فسينفلت، وبالتالي سيرى الحقائق هذه بعد أن يموت: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧] هذا هو العنصر الثالث.

والثاني: الروح، وهذه ليس لنا فيها علاقة، الجسد جسد لا تغير أنت فيه شيئاً، لا أحد يستطيع أن يأخذ جسداً بمزاجه، الله خلق الجسد، ولا أحد يحدد طوله، أو عرضه، أو لونه، أو جنسه لا.

هذه فرضت عليك وما معك إلا الذي معك، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يعيب خلقة إنسان آخر؛ لأن العيب هنا يكون للصانع، لا يجوز شرعاً أن تأتي إلى أحد وتقول له: اسكت يا متين، أو يا قصير، أو يا طويل، أو يا أسود، أو يا أبيض، أو يا أعور لا! لأن عيب الصنعة عيب للصانع، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا ذر وهو يقول لـ بلال: [يا بن السوداء] طيب! من الذي صبغ وجه بلال بالسواد، وجعل أبا ذر أبيض؟ أبو ذر ما لوَّن نفسه في بطن أمه، ولا بلال لوَّن نفسه في بطن أمه؟ لا.

الله جعل هذا أبيض وهذا أسود، فلماذا تعترض على الله، وتقول: اسكت يا أسود أو يا عبد؟ فلما سمعه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) يعني: ما فيك إسلام؛ لأن الجاهلية ضد الإسلام: (فقال: يا رسول الله! أعلى مشيب رأسي؟ قال: نعم).

وهو من السابقين في الإسلام.

فقام رضي الله عنه وأرضاه ليمحق هذه الجاهلية، وليستأصلها من نفسه، هذا المؤمن الصادق وضع خده الأبيض النظيف على الأرض، ثم قال: [يا بلال! والله لا أرفع خدي من الأرض حتى تطأ بقدمك السوداء على خدي الثانية]، ولم يقم حتى جاء بلال وأخد بيد الغفاري العربي حتى ذهبت وذابت تلك النزعة الجاهلية التي يُقَوِّمُ الناس فيها بعضهم بعضاً بالسواد والبياض.

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ما قال أبيضكم ولا أحمركم، ولقد أعلن الإسلام وحدة الجنس البشري، وأعلن أن الناس كلهم لآدم: (كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) هذا الجسد.

الثاني: الروح وقلنا ما فيها.

الثالث: النفس، وهنا يبرز دور الإنسان في تربية نفسه، ويتفاوت الناس ويحصل بينهم التفاوت، مثل ما بين السماوات والأرض، بحسب قيامهم بمجاهدة أنفسهم وبتربيتها على الحق وقصرها عن الباطل.

واحدة من الأخوات تحدث عن تجربتها في قضاء الوقت، تقول: انتهت العطلة الصيفية وشعرت بوفرة في الوقت، تقول: فقررت أن أحفظ سورة البقرة وآل عمران خلال فترة الصيف؛ لأنها تقول: سمعت أن (سورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين، أو كغيايتين، أو كصنفين من طير، تظلان صاحبهما) فتقول: أريد أن آتي يوم القيامة تحت مظلة هاتين السورتين، وبدأت وقررت لنفسها أن تحفظ في كل يوم صفحة، مع المراجعة.

وفي نهاية المدة تقول: والحمد لله وفقت وحفظت سورة البقرة وآل عمران، هذه موفقة، ليس عندها وقت للفراغ، ما يعاني منه النساء الآن من وقت فراغ سببه جهلهن بالواجبات المطلوبة منهن.

عندِك فراغ وأنت لا تحفظين شيئاً من كتاب الله؟ أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرفين شيئاً من أحكام دينك في فقهك الذي يتعلق بعبادتك أيتها المسلمة؟ عندك فراغ وأنت أم أولاد وزوجة رجل؟ أما تشعرين أن الزوج هذا يشغلك؟ المتزوجة حملت عبئاً بهذا الزوج، وتكاليف تحتاج إلى جهد: خدمة الزوج، الإشراف على طعام الزوج وملابسه، والجلسة معه، والمؤانسة له، وهذه كلها تحتاج إلى وقت، لكن بعض النساء أهملت هذا كله، زوجها مثل العامل عندها؛ لا تهتم بطعام ولا بشراب ولا بأكل، ولا بمؤانسة، ولا بجلسة، أولادها مع الشغالة، ومطبخها على الخادمة، وهي تقول: أنا زهقانة، زهقانة من ماذا؟! تركت الواجبات، قومي بواجباتك أنت، قومي بواجباتك في المنزل، وقومي بواجباتك في الأطفال، لا تدعي الأطفال للخادمة.

وإن من المآسي والله ما يفطر القلب! تتصل بي إحدى المدرسات وتشتكي، تقول: إني مدرسة دين، وتقول لي طالبة من الطالبات: يا أستاذة أنا أحب المسيح، قالت: لماذا تحبين المسيح؟ قالت: لأنه ابن الله، قالت: يا ابنتي ليس هو ابن الله، هذا رسول الله، قالت: لا لا لا.

أنت لا تعرفين، قالت: من قال لك؟ قالت: الخادمة.

الخادمة النصرانية وضعت عقيدة النصارى في قلب هذه البنت، وأصبحت البنت داعية في المدرسة وتدعو الطالبات في السنة الخامسة والسادسة، تقول لهن: إن المسيح ابن الله، وتحب المسيح، متى تسلطت الخادمة على البنت؟ في ظل غياب الأم المشغولة بالمكياج، والموديلات، وبالسهرات والتمشيات، والشغالة تربي ابنتها على النصرانية.

أيتها الأخت ليس عندك فراغ، الواجبات أكثر من الأوقات إذا عرفت تلك الواجبات.