للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النعمة الحقيقية في الدنيا هي نعمة الدين]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة في الله: من أعظم ما يمن الله به على الإنسان نعمة الطاعة ونعمة الدين ونعمة الإيمان، ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها الإنسان حرمانه من هذه النعمة، ووقوعه في مصيبة المعصية، وفي مصيبة المخالفة، والناس يفهمون من النعمة أنها المال، والعافية، والمنصب، والولد والزوجة، والسيارة والعمارة كل هذه نعم، لكنها نعم تزول.

أما النعمة الحقيقية التي امتن الله بها على عباده المؤمنين فهي نعمة الإيمان، يقول عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء:٦٩] (أنعم الله عليهم) من هم؟ {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩] من بقي بعد هؤلاء؟ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ ما بقي بعدهم إلا كل فاسد وسيئ، والعياذ بالله! فينعم الله على النبيين بنعمة الدين برغم أنهم يعيشون ويموتون وهم في فقر حتى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، سيد البشر، وخير من وطئ الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من يدخل الجنة، وصاحب الشفاعة الكبرى يوم القيامة، عاش صلوات الله وسلامه عليه عيشة بسيطة لدرجة أنه ينام على الحصير، ويقوم وقد أثر الحصير على جنبه الشريف، وما شبع من طعام بر ثلاث ليال متوالية، ومات ودرعه مرهون في ثلاثين صاعاً من شعير، وتقول عائشة: [كان يمر الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت آل محمد نار.

فقال عبد الله بن الزبير: فما طعامكم يا أماه؟ قالت: كان طعامنا الأسودان: التمر والماء] ومع هذا فهم في نعمة ليست نعمة البطون، فكم من الناس من بطنه ممتلئ لكن بالحرام ممتلئ بالربا، وكم من الناس جسمه سمين لكن إلى النار، يتسمن لجهنم، وكم في الناس من سيارته فارهة لكن تقوده إلى جهنم، وكم من الناس من عنده منصب لكن منصب سوف يورده إلى النار، والعياذ بالله! فما هي النعمة الحقيقية؟ إنها نعمة الدين، والذي يبدل هذه النعمة يستحق العذاب، إذا جاء الدين والإيمان فأمسكه وتشبث به، أعظم من تشبث صاحب المال بماله، إذا أعطي شخص مليون ريال أو مليونين كتعويض في أرض أو في مزرعة أو في عمارة فماذا يصنع بها؟ تراه يستلمها في الصباح، فانظر إليه وهو يصلي الظهر، لا يعرف كم صلى، ولا يعرف كم يصلي في المغرب، وكم يصلي في العشاء، ولو سألته يقول: والله مدهوش لماذا؟ إنها مليونا ريال أين يذهب بها؟ فلا ينام الليل، لكن ما رأيكم لو أن شخصاً استلم مليوني ريال وعند باب البنك أو عند باب المؤسسة بدأ يمزقها ويرمي بها ماذا يقال لهذا الإنسان؟! مجنون، فالناس عقلاء مع الدنيا، يعرفون قدر نعمة المال فلا يصرفون منه ولا يضيعون ريالاً إلا بحقه، ويعرفون قيمة النعم كلها ويقدرونها، لكن لا يعرف كثير من الناس قدر نعمة الإيمان، فإذا أعطاه الله الإيمان تراخى فيه وشتته، لا حفظه ولا نماه يقول الله فيه: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:٢١١] إذا أعطاك الله نعمة الإيمان وبدلتها بعدما جاءتك النعمة وذقت طعم الإيمان فإن الله شديد العقاب.

وما أعظم من مصيبة الحرمان من الطاعة والخذلان بالمعصية يقول الله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:٣٦].