للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القلب]

القلب: هو العضو الخامس والأخير، ويسمى ملك الجوارح، وسيد الأعضاء، وكما جاء الحديث في الصحيحين: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) إذا صلح القلب صلحت العين، والأذن، وصلح اللسان والفرج، وصلحت اليد والرجل، وصلحت الحياة كلها؛ الآن الشباب الملتزمون -نسأل الله أن يبارك فيهم- ما الذي تغير في حياتهم؟ تغير القلب، حصل عند أحدهم قناعة في قلبه أن الطريق الذي كان فيه غير صحيح، وأن الطريق الصحيح هو الدين والإيمان فالتزم، ولما أن التزم، أصبحت عينه لا تنظر إلى النساء، لم يركباً عين جديدة؛ بل هي عينه الأولى لكن! - من حين يرى امرأة يغض بصره! لماذا تغض الآن ومن قبل ما كنت تغض؟ لأن القلب صلح، وأذنه التي كانت تتابع الأغاني في الإذاعات من يوم يسمع نغمة يغلقها، هل غير أذنه في السوق واشترى أذناً جديدة؟ لا.

هي نفسها، لكن الذي تغير هو قلبه، أما يده التي كانت تبطش بالحرام، وبطنه التي كانت تأكل الحرام، وفرجه الذي كان يقع في الحرام، ورجله التي كانت تمشي في الحرام هي نفسها، فما الذي تغير؟ تغير القلب: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) هكذا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم.

فهذا القلب لا يسيطر على النفس، ولا يقبل تأشيرات العقل إلا إذا كان سليماً معافىً.

فإذا سلم القلب قبل نصائح العقل، ورفض أوامر النفس، وصلحت حياة الإنسان كلها.

معنى هذا أن القلب يمرض، نعم، القلب يمرض، وتعتريه العلل، وتصيبه الآفات كما تصيب أي جارحة من الإنسان، وعلامة مرضه عدم قيامه بواجبه، فمثلاً هذه اليد دورها في الجسم العمل، فإذا تعطلت، تقول يدي مريضة، والعين دورها النظر، فإذا عميت تقول: عيني مريضة، والأذن دورها السماع، وإذا لم تسمع تقول: أذني مريضة، والقلب ما هو دوره؟ معرفة الله، معرفة دين الله، معرفة رسول الله، محبة الله، وإذا لم يعرف الله ولا عرف الدين فهو مريض لا يقوم بدوره، فمتى يقوم بدوره؟ إذا كان سليماً، وهل ينتفع الإنسان بقلبه إذا كان مريضاً؟ لا.

قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] ويثني الله على إبراهيم فيقول: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:٨٤] سليم من ماذا؟ ما هي الأمراض التي تصيب القلب حتى نتجنبها؟ قال العلماء: أولاً القلب يصاب بالعمى -نعوذ بالله وإياكم من عمى القلب- قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] قلبك الذي في صدرك هو عبارة عن مضخة، تضخ الدماء، وهذه وظيفة مادية ليس لنا علاقة بها، لكن القلب الذي نعني به: اللطيفة الروحية التي أودعها الله في هذه المضغة، والتي بها نعرف الحياة كلها.

فالقلب يضخ الدماء كوظيفة مادية، لكن له وظيفة أخرى، وهي: حب الله ومعرفته، ولذا تنظر إذا فرحت ما الذي يتأثر فيك؟ قلبك، يكاد قلبك يطير من جوفك من الفرح، وإذا حزنت يكاد يموت قلبك تقول: والله كأنه والله طعنني في قلبي، وإذا سمعت خبراً سيئاً كموت حبيب أو قريب، أو حادث، تقول: امسك قلبي، قلبك مضخة الدم لم يصبه أذى، لكن قلبك المعنوي اللطيف الذي أودعه الله في صدرك، فالقلب يسلم ويمرض، ويبصر ويعمى.

إذاً: ما علامة عماه؟ قالوا: ألا يرى طريق الله، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:٢٦] أفئدة: قلوب، ويقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨] وقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:١٧٩] كيف لا يسمعون؟ هم يسمعون لكن لا يسمعون ما يحب الله، هم يرون لكن لا يرون طريق الله، هم يفقهون لكن لا يفقهون دين الله، كأن هذه الأجهزة ليست موجودة عندهم؛ لأن الله يقول: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:٢٦] لماذا؟ {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:٢٦] فجحودهم عطل هذه الجوارح، ما فقهوا بأعينهم إلا ما تفقهه البهائم، ولا سمعوا بآذانهم إلا ما تسمعه البهائم، ولا فكروا بقلوبهم إلا في شهواتهم كما تفكر البهائم، لكن ما تفكروا فيما هو مطلوب منهم، وما هو المطلوب منك أيها الإنسان؟ مطلوب منك أن تعرف الله، وتعرف دينه، ونبيه، وأن تسير على منهجه، وأن تعبده حق عبادته، فإذا تعطل القلب عن هذا فهو مريض.