للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من خلقنا]

أما الأمر الثاني: فهو لماذا خلقك الله؟ هناك احتمالان: إما أن الله خلقك عبثاً، أو خلقك لغرض، فهل خلقك الله عبثاً؟ لا.

وقد أبطل الله هذا الزعم كما سيأتي.

إذاً: الله خلقك لهدف، فما هو هذا الهدف؟ هل تعرفه أنت؟ لا.

لماذا؟ لأنك لست أنت الذي خلقت نفسك حتى تعرف لماذا جئت، ولكن يعرفك الذي أتى بك، الذي خلقك يعرف لماذا خلقك، تسأل الذي خلقك وقد أجاب الله من غير سؤال وقال لنا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] فهذا هو الهدف.

إذاً ما هي العبادة؟ هل هي الصلاة والزكاة والصوم؟ لا.

ليست هذه هي العبادة فقط، فما هي العبادة التي وردت في الشرع؟ هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

فوظيفتك في الحياة هي العبادة، إذا قمت بهذه الوظيفة تسمى رجلاً صالحاً، مثلاً جهاز الميكرفون، إذا كبر الصوت نقول: جهاز صالح، أما إذا شغلناه بالكهرباء ولم يكبر الصوت، نقول: جهاز فاسد، أنت صالح إذا سرت في وظيفتك، وما هي وظيفتك؟ العبادة، فأنت رجل صالح، وإذا ضيعت وظيفتك -العبادة- تصير رجلاً فاسداً.

مثلاً المكيف وظيفته تبريد الهواء، وإذا لم يبرد الهواء، نقول: مكيف خربان، أما إذا برد الهواء، فنقول: مكيف صالح.

السيارة وظيفتها حمل الناس، إذا لم تمش نقول: سيارة خربانة.

وأنت إذا ما عبدت الله نقول: إنسان فاسد، لكن أصلح نفسك، إذا لم تصلح نفسك ومت وقدمت على الله وأنت خربان ماذا يحصل؟ يحصل لك تصليح، لكن أين؟ في ورشة اسمها جهنم، يقول الله تبارك وتعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٨] يقول الشيطان: سوف أضلهم، قال: اذهب أنت وإياهم، كلكم في جهنم، هذه ورشة النار، من الذي يدخلها؟ الفاسد، أما الصالح، لا.

الذي يأتي: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

ويقول الله عز وجل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣١ - ٣٥] نسأل الله وإياكم من فضله.

وظيفتك أيها الأخ الكريم! العبادة بمفهومها الشامل، وعليك أن تجري نوعاً من الرصد والمحاسبة لنفسك لتعرف أين أنت من العبادة؟ هل أنت عابد أم فاسد؟ وابدأ بالجوارح واحدة واحدة، خذ عينك وقل: يا عين أنتِ عابدة، أمرك الله بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وأمرك بالنظر في القرآن الكريم، ونهاك عن النظر في الحرام، هل أنت عابدة يا عين، أم فاسدة؟ الجواب لديك تعرفه أنت.

إن كانت عينك تنظر الأفلام والمسلسلات والنساء في الشوارع والطرقات فعينك فاسدة لا تشتغل في الهدف الذي خلقها الله من أجلها، وإن كانت عينك تغض عن المحارم وتنظر في كتاب الله، وتنظر في السماوات والأرض فتعتبر عينك صالحة.

تأتي إلى أذنك وتقول: يا أذن ما وظيفتكِ؟ سماع الحق: القرآن، العلم، الدين، هل تسمعين هذا، أم تسمعين السماع الثاني: سماع الغناء، والخنا، والغيبة، والنميمة، والساقط من القول، فإن كانت الأولى فهي أذن سليمة، وإن كانت الثانية فهي أذن مريضة.

فاسدة، تأتي إلى البطن ماذا يأكل، تأتي إلى اليد أين تمتد، تأتي إلى الفرج أين يقع، تأتي إلى الرجل أين تمشي، تأتي إلى اللسان ماذا يتكلم به، تأتي إلى الجسد كله أين يشتغل، هذه المعاصي تأتي إلى الطاعات، فأنت مأمور بالصلاة هل صليت؟ مأمور بالزكاة هل زكيت؟ مأمور بالصيام هل صمت؟ مأمور بالحج هل حججت؟ مأمور بالدعوة هل دعوت؟ مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل أمرت ونهيت؟ مأمور بالحب في الله هل أحببت في الله؟ هذه أوامر الله، إذا سرت في هذا أنت صالح عابد لله، وإذا لم تسر في هذا فأنت البعيد الفاسد، وقد ضيع الحكمة والغرض الذي من أجله خلقه الله.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم قلوباً سليمة، وألسنة صادقة، وأن يوفقنا وإياكم للعبادة والعمل الصالح، وأن يتوب علينا جميعاً مما نمارسه أو نقع فيه من الأخطاء والمعاصي، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.