للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم الحديث يقرر ما ذكره القرآن عن مراحل تكوين الجنين]

في مؤتمر الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة الذي عقد قبل سنوات في القاهرة، دعي إلى هذا المؤتمر أكبر عالم على وجه الأرض في علم الأجنة، علماً أن هذا العالم ليس مسلماً ليلقي محاضرة عن تكون الجنين -وطبعاً يتكلم عن علم- ولما انتهى من محاضرته قام أحد علماء المسلمين وقال له: إن ما ذكرت من الحقائق العلمية قد جاء بها كتاب الله وجاءت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر له الآيات التي في سورة المؤمنون, وذكر له حديث البخاري ومسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك) الحديث, ولما انتهى قال: أهذا عندكم في الكتاب والسنة؟ قال: نعم.

قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

والله ما أخبر نبيكم بهذه الحقائق إلا الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بهذه الحقائق قبل وجود الجامعات، ومراكز البحث العلمي، وأجهزة الرصد والتصوير التلفزيوني، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شيئاً عن تلك الحقائق، فقد كان يعيش في البادية لا يقرأ ولا يكتب، بل حتى الحرف لا يعرفه صلوات الله وسلامه عليه, ثم يخبر بحقائق علمية ما اكتشفت إلا في القرن العشرين في عصر العلم وعصر الذرة وعصر الأجهزة مما يدلل على أن هذا الكتاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢].

بعد أربعين يوماً أخرى تنتقل العلقة إلى مضغة وسميت مضغة؛ لأنها أشبه ما تكون بلقمة وضعت تحت الأضراس ثم مضغت، وقد رأيتها -أيضاً- بعيني كأنها لقمة مضغت, وهذه المضغة هي بداية تكون سلسلة العمود الفقري للإنسان, وبعد أربعين يوماً تتحول هذه المضغة إلى عظام, يركب الهيكل العظمي للإنسان كاملاً حتى الأضلاع، وقد رأيتها كأنها دبابيس مشكلة، كل عظم مع الثاني وكل مفصل مع الثاني، وبعد ذلك تكس هذه العظام باللحم ثم ينشئه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.

ولو قمت بمقارنة بين تلك النطفة المنوية وبين ذلك الإنسان، لوجدت أنه لا نسبة ولا تناسب بينهما، ولكن كما قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤].

يهيأ لهذا المخلوق الجديد في بطن أمه ويزود بإمكانات لاستقبال هذه الحياة, فيخلق له رغم أنه لا يمشي بهما في بطن أمه, وتركب له اليدان وهو لا يستعملهما, ويعطى عينان وهو لا ينظربهما؛ لأنه ليس في بطن أمه نور, بل يخلق الجنين في ظلمات ثلاث يقول الله عز وجل: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:٦] ((يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)) أي: مراحل ((فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ)) ظلمة الرحم, وظلمة البطن, وظلمة المشيمة, لكن مع ذلك الجنين له عينان لماذا العينان في الظلام؟ من أجل أن يستخدمهما إذا خرج من بطن أمه, وتخلق له أذنان بالرغم أنه ليس هناك أصوات في عالم الأرحام, وأيضاً يخلق له جهازاً تنفسياً كاملاً من الأنف إلى الرئة كما أوجد الله له جهازاً هضمياً من البلعوم إلى المريء، وتتم عملية تنفس الجنين وتغذيته عن طريق الحبل السري, المتصل ببطن الجنين مع أحشاء الأم حيث يتم إمداد الجنين بثلاثة أشياء عبر الحبل السري وهي: الطعام, والهواء, والماء, سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! وبعد أن يصبح جاهزاً يخرج إلى الحياة.

من الذي أخرجه؟ إنه الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:٢٠] يكون وضعية الجنين في بطن أمه على هيئة الجالس, وجعل الله عز وجل وجهه من جهة العمود الفقري لأمه, لماذا؟ لأن البطن قد يتعرض لكدمات أو لضغط أو لضربة أو شيء ما يصيبك شيء تصيبك في النقرة, لكن بطنك وفمك وعينيك من جهة عظام أمك محمي, لأنك في القرار المكين {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:١٣] وجالس متكئ هنا الطحال ومن هناك الكبد, ويعيش في راحة إلى أن تأتي ساعة الخروج فيقلبه الله عز وجل, فهذا المخاض -الطلق- الذي تعانيه المرأة هو: عملية قلب الجنين من أجل أن يخرج رأسه أولاً, وإذا خرجت رجلاه أو يداه أولاً تعسرت الولادة, ولا يخرج إلا بعملية تفتح فيها بطن الأم, ولكن الله يقلبه وينزل رأسه ويخرج هذا الجنين.

لو استطعنا أن نتحدث مع هذا الجنين قبل أن يغادر عالم الأرحام وقبل أن يخرج إلى الحياة, وقلنا له: أيها الجنين! سوف تخرج من هذا الرحم ومن هذه الظلمات ومن هذا الضيق إلى دنيا واسعة فيها سماوات وأرض وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وأشجار وعمارات وطائرات وسيارات إذا حدثناه بهذا الكلام هل يصدق؟ سيقول لنا: أنتم تعيشون على الخرافات, أنتم رجعيون تؤمنون بالخرافة, سماوات! أرض! شمس! قمر! أين هي؟! وينظر إلى بطن أمه فلا يرى إلا الطحال والكبد ويقول: ليس هناك شيء إلا بطن أمي, ولا يؤمن بأي شيء آخر؛ لأنه لم ير شيئاً.

قلنا له: شكراً هذه معلوماتك، وأنهينا الحديث معه, وخرج إلى الدنيا، وبعد أن عاش أربعين أو عشرين سنة جئنا وقلنا له: يا فلان! قال: نعم.

قلنا: أجرينا معك محادثة وأنت في رحم أمك وقلنا لك: بأنك سوف تخرج إلى الدنيا هذه واسمع كلامك, ولما سمع كلامه قال: لقد كنت مخطئاً, فلمَ أنكرت؟ قال: لأني قست الدنيا على عالم أمي, وكنت أظن أن ما في الدنيا إلا بطن أمي, ثم تبين لي أن هناك دنيا واسعة ومعلوماتي كانت غلط.

كذلك أيها الإخوة! حينما نحدث الناس عن الجنة والنار، والبعث، والصراط، والحوض، وعن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعن الحقائق الإيمانية في الآخرة إذا حدثناهم بها فعليهم أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يدركوها كما لم يستطع ذلك الطفل أن يدرك هذه الحياة؛ لأن نسبة عالم الدنيا إلى عالم الآخرة كنسبة عالم الرحم إلى عالم الدنيا, ولكن عليهم أن يؤمنوا بها، والذي يكذب ويقول: أين الجنة وأين النار؟ مثل ذلك الطفل الذي يقول: أين السماوات والأرض؟ ولكن لما رآها آمن بها، وكذلك الإنسان يوم يموت يرى الجنة ويرى النار، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا من أجل أن يصحح الوضع مع الله, ومن أجل أن يعبد الله، ولكن لا يجاب, ولذلك يقول الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:١٢]-نظرنا كل شيء- {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:١٢] وقال سبحانه في سورة الأنعام: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:٢٧ - ٢٨].