للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر من أرفع الأخلاق وأعظمها]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا اليوم هو يوم السبت الموافق (١٣/محرم/١٤١١هـ) وفي مسجد أبي بكر الصديق بمدينة أبها يلقى هذا الدرس.

والإنسان وهو يعبر رحلة الحياة، يحتاج إلى تربية وتهذيبٍ وتأديب، حتى يتجاوز عقباتها، وينجو من مخاطرها وآفاتها، ويصل إلى ساحل النجاة.

وحين يسير الإنسان في خط عشوائي من غير دليل يدله، ولا هادٍ يهديه، يقع ضحية التضليل، ويسقط في مهاوي الردى، ولا يصل إلى النجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

أما حين يهتدي الإنسان بهدى الله، ويسير على منهج الله، ويتأدب بالآداب التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يعبر الحياة ويتجاوزها بسلامٍ وأمان، ويصل إلى ساحة النجاة وساحلها في دار الخلد والجزاء، نسأل الله جميعاً من فضله.

وهناك آداب جاء الإسلام ليربي الإنسان عليها، ويرتقي إلى قمتها، وإلى أعلى درجات الفضائل، فيها أدب عظيم، يغفل عنه الناس، وهو أساس مهم وخلقٌ قويم لا يصل الإنسان إلى مراده، ولا يتجاوز الأخطار إلا به، والناس في غفلةٍ عنه إلا من رحم الله، وهذا الخلق: هو الصبر.

وعنوان الدرس (إن الله مع الصابرين) ويكفيك شرفاً أن يكون الله معك، إذا كان الله معك فما يضرك؟! من الذي يكيدك في الدنيا والله معك؟! ومن الذي ينفعك إذا الله ضرك؟! ومن الذي يضرك إذا الله نفعك؟! ومن الذي يمنعك إذا الله أرادك؟! ومن الذي يريدك إذا الله منعك؟! ومن الذي يحييك إذا الله أماتك؟! ومن الذي يميتك إذا الله أحياك؟! ماذا بأيدي الناس أيها الإخوة؟! الرزق الحياة الموت الصحة المرض الإعطاء المنع كل شيءٍ بيد الله.

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

إذا وجدت الله وجدت كل شيء، وإذا فاتك الله فاتك كل شيء، ويكفيك يا صابر أن الله مع الصابرين.

فليرض عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاك

ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى يا رب حلواً قبل أن أهواك

دنياك غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاك

إذا وجدت الله وكان الله معك فلن تضرك الدنيا كلها، يقول الله في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بي فكادته السماوات والأرض إلا جعلت له منها مخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني إلا أسخت الأرض من تحت قدميه، وقطعت عنه أسباب السماء، ثم لم أبالِ في أي أودية الدنيا هلك) ماذا ينفعك يا أخي! إذا تخلى الله عز وجل عنك؟! فيجب أن يكون تركيزك واهتمامك على أن يكون الله معك وأعظم حالة تداوم عليها ويكون الله معك فيها: أن تكون من الصابرين.

لأنه عندما تستحكم الأزمات وتتعقد الحبال وتتوالى المحن ويطول ليلها، يقوم الصبر بدوره الجميل الجليل في تثبيت النفس، وفي إحياء آمالها، ولذا نادى الله عز وجل عباده المؤمنين بالنداء الأزلي الحبيب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣] والمعنى: يا من آمنتم بالله! لأن لفظة (يا أيها الذين آمنوا) فيها إشعال للقلوب، وفيها إلهاب للعواطف، أنتم مؤمنون فلماذا لا تستجيبون؟! ولهذا إذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا) فافتح نظرك وارع سمعك واعلم ماذا يريد الله منك؟ يا من آمنتم بالله: استعينوا على إقامة دين الله بفعل الطاعات وترك المعاصي، والصبر على أقدار الله المؤلمة، بماذا؟ استعينوا على ذلك بالصبر الجميل، والصلاة المصحوبة بالخشوع والطمأنينة والإخلاص.