للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من ميادين الصبر: الصبر عن شهوات النفس]

النفس حبب إليها الشهوات، قال الله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:١٤] كل هذه النعم الناس يحبونها مزينة، لكن فيها حلال وفيها حرام: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:١٤].

يوجد في النساء حلال وهن الزوجات، ويوجد في النساء حرام وهن الباغيات والزانيات، ويوجد بنون تحبهم لأنهم يعينوك على طاعة الله، ويوجد بنون يجب أن تبغضهم لأنهم يصرفونك عن طاعة الله، ولا يسيرون معك في خط الله عز وجل.

كذلك المال: يوجد من المال الحلال ويوجد من المال الحرام، فالحلال يحبه الله، والحرام يبغضه الله، فعليك في ميادين الصبر أن تصبر عن شهوات النفس إذا أخذت الدنيا زخرفها، وأقبلت وتزينت، وظننت أنك قادرٌ عليها، فاحذر من أن تقدر على شيء حرمه الله، فقد تسقط في هذا الميدان، لأنه شهوة، والشهوة تحبها النفس، والشهوة منزلق تنزلق فيه النفس، ولا مصير إلا النار، والله يقول: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥] ويقول عز وجل: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:١٣١].

ثم لا بد أن تعرف أيها القانع بما رزقك الله أن الله عز وجل لا يعطي المال لأصحاب المال، ولا المناصب لأصحاب المناصب، بناءً على حبه لهم، فقد يعطيهم وهو يبغضهم، يقول الله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:٥٥ - ٥٦].

والله يبتلي بالمال كما يبتلي بالفقر، والمال يعطيه الله من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فلا تحزن إذا لم يعطك الله مالاً، ولا تحزن إذا لم يعطك الله منصباً ولا سؤدداً، وعليك أن ترضى بما قسم الله لك، وأن تعرف أن هذه قسمة الله تبارك وتعالى.

قارون عندما خرج على قومه في زينته {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:٧٩] فقال أهل الإيمان والعلم بالله في الدنيا والآخرة قالوا: (ويلكم) دعوا عليهم بالويل، وقالوا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:٨٠].

فخسف الله بقارون وقومه فهو يتجلجل في بطن الأرض إلى يوم القيامة.

والذين قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا} [القصص:٧٩] قالوا: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:٨٢ - ٨٣].