للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تثبيت الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم]

وإن من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا أن نقل لنا في كتابه وفي سنة رسوله صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ صوراً حية من أحداث يوم القيامة ومن أحوالها التي تكون لأهل الإيمان ولأهل الكفر والنفاق، حتى لكأن الإنسان ينظرها عياناً، وهذه فيها حكمتان ومصلحتان: الحكمة الأولى: تثبيت الإيمان بالرسول الكريم صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ، إذ من أخبره بما يحدث يوم القيامة يخبرنا عن أمور لا تكون في هذه الدار، وما سمع بها أحد منذ آدم -من غير الأنبياء والرسل- وما سمعنا أحداً بعده منذ مات إلى يومنا هذا يخبر ويتهدد ويتوعد ويَعد ويمني بجنة أو نار، فإن من توعد وهو لا يستطيع التنفيذ يعرف أنه من أكبر الكاذبين، وإذا وعد وهو يعرف أنه لا يفي يعرف أنه أحد الكاذبين، لكن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهدد الكفار ويتوعدهم بالعذاب من مصدر القوة، والثقة بالله ثم بالنفس، ويعد المؤمنين ويمنيهم بالجنة من مصدر الثقة بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يعطيهم جزاءهم.

جاء رجل اسمه العاص بن وائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل في يده عظمة من عظام الأموات هشة -وهو كافر- وقال: يا محمد! أتزعم أن الله يعيدنا بعد أن نكون عظاماً ورفاتاً، وفت العظم بيده أمام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلمة الواثق المطمئن إلى وعد الله ووعيده.

قال: (نعم.

ويدخلك الله النار).

فمات هذا الرجل على الكفر، فلو كان هذا الرجل أسلم لكان الوعد غير صحيح، إذ كيف يدخله الله النار وهو مسلم؟ لكن من علم الله الذي أعطاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخبره بأن هذا الرجل سيستمر على كفره ولن يسلم، رغم أن الناس في ذلك الوقت كانوا يدخلون في الدين وكان من المتوقع أن يكون هذا ممن يسلم، ولكن قال له: (ويدخلك الله النار) فمات كافراً.

ونزل القرآن يؤيد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول له: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:٧٨] يعني: بالعظم {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:٧٨] الذي يخلق العظم، ومن هذا الذي خلق العظم! إن الذي خلق هذا العظم قادر على أن يعيد هذه العظام ولو صارت رماداً.

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٨] * {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٩] القادر على البداءة قادر على الإعادة، وله المثل الأعلى، إذ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٩] * {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:٨٠] * {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:٨١] * {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] * {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:٨٣].

هذه هي الحكمة والمصلحة الأولى التي نجنيها من مشاهد أحوال الناس يوم القيامة، تثبيت الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كان متقولاً ما وعد.