للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية السير على طريق الدعوة أمام المعوقات من قبل الوالدين]

السؤال

يعاني بعض الشباب في بيوتهم من وقوف الآباء في وجه تطلعاتهم وتوجهاتهم الإيمانية مما يعكس أثراً سلبياً على استمرارية أولئك الشباب في طريقهم، ونود من فضيلتكم وضع معالم لهؤلاء الشباب تبين لهم كيفية السير في مثل هذه الظروف؟

الجواب

من الصعوبات الحقيقية التي تصادف الشاب أن يبتلى بأبيه أو بأمه أو بإخوانه في بيت لا يعينونه على طاعة الله عز وجل، هذه من أعظم المعوقات، وقد ضرب الله لنا الأمثلة في القرآن الكريم بأنبيائه ورسله الذين وُجِهوا بمثل هذه الصعوبات، فهذا نوح عليه السلام تقف في وجهه امرأته وولده، وهذا لوط عليه السلام تعانده امرأته وتكذبه ولا تؤمن به ولا تصدقه، وهذا إبراهيم عليه السلام يقف في وجهه والده، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف في وجهه عمه وكافله وحاميه أبو لهب، هذه الأمثلة جاءت لتعزية المسلم وتسليته وإخباره بأنه ليس الوحيد في هذا الطريق، وأن الهداية ليست بيد الإنسان، وإنما هي بيد الله عز وجل.

فأنت حينما تهتدي وتجد أن أباك أو أمك أو أختك أو أخاك أو بعض أقاربك يقفون في وجهك، فعليك أن تثبت أولاً، وألا تتزعزع، وأن تسير في الطريق بدون تردد.

أما الأسلوب الذي يجب أن تتبعه في دعوة الوالدين والإخوة فهو أسلوب الرفق واللين والصبر وعدم التصدي، وعدم ممارسة الأوامر والنواهي، لأن من عرف أنك صغير استحقرك، ولأن الوالدان باستمرار لا يريدان أن يتلقيا التوجيهات ممن هو أصغر منهم؛ لأنهما إذا رأوه يأمرهما وينهاهما وهما يعرفان ماضيه بأنه كان طفلاً صغيراً، وأنه عبر أطواراً معينة حتى بلغ مبلغ الهداية، فيقيسونه بماضيه وصغره وجهله وعبثه، يقولون: هذا اللعاب أصبح يهدينا ويأمرنا وينهانا، يا ألله! اذهب فالعب، فتجد الأب يضرب ولده والأم تضرب ولدها، لماذا؟ لأنه جاءهم بصيغة الأمر والنهي.

ولكن عليه أن يمارس الدعوة برفق وبحساسية وبدقة، وعليه أن يستغل الفرص فلا يمارسها في كل وقت؛ لأن النصح في كل وقت يؤدي إلى الضجر والملل والرفض، لكن عليه أن يلتزم هو في ذاته، وإذا رأى فرصة مناسبة لدعوة والديه فلا يتركها، مثل قضايا الموت، فإذا سمع أن فلاناً مات يستغل ذلك، أو حضور جنازة، أو كسوف الشمس، أو خسوف القمر، أو هبوب الريح، أو وجود أمطار، أو شهر رمضان، أو موسم الحج، أو أية مناسبة دينية تحصل له، فعليه أن يستغل هذه المناسبة ويورد شيئاً مما يمكن أن يقبله والده أو والدته حتى يتأثرون.

أيضاً: يستعين بالأشرطة الإسلامية؛ لأنهم قد لا يثقون في الكلام الذي ينقله بذاته؛ لأنهم يعلمون بصغر سنه، يقولون: ما هذا الكلام الذي قلته لكن إذا جاءهم شريط من عالم بشرط أن يكون هذا العالم موضع ثقتهم، فلا يأتي بأحد ليس موضع ثقة؛ لأنه إذا زعزعت ثقتهم في العالم أو الداعية الذي يسمعون كلامه، كأن يكون له سلوك سيئ، أو مواقف ليست مشرفة في الدين، فإذا سمعوه يكرهونه ويكرهون الدين، لكن يسألهم ويعرف ويتعرف من الذي يحبونه من الدعاة أو من العلماء؛ فيأخذ الشريط الذي يناسبهم ويعطيهم إياه، ويدعو الله تبارك وتعالى في صلاته في الليل، وفي صلاته في الفريضة، وفي سجوده يدعو الله أن يهديهم، فيكون مكلفاً لمسئوليتين: يدعو الله أن يهديهم، ويدعوهم إلى الهداية الله، ففي الليل يدعو الله لهم، وفي النهار يدعوهم إلى الله عز وجل.

وهكذا بالنسبة للأخ، خصوصاً الأخ الأكبر، ينبغي أن يمارس معه نفس الأسلوب الذي يمارس مع الوالد، أما الأخ الأصغر فله أسلوب آخر، فكلما كان الأخ أكبر من الثاني فإن الصغير يريد أن يقتدي به، فهذا الأخ الصغير ينبغي أن تشمله بعطفك، ورعايتك وحنانك، وأن تقدم له كل ما تستطيع من الإعانة المادية، ولو على حساب مصلحتك أنت، المصاريف التي أنت تتناولها يومياً أعطه إياها، أشعره بأنك تحبه وترحمه، لا تذهب مكاناً إلا وهو معك، إذا ذهبت تشتري شيئاً اشتر له قبلك، ومن ثم أخدمه، فإذا أراد شيئاً أعطه إياه، لا تحاول أن تستخدمه حتى يحبك، فإذا أحبك ورأى منك هذا الخلق فإنه رأساً يتشبث ويقتدي بك.

ومن ثم تهدي له، خصوصاً من الأشياء التي يحبها مثل: الملابس، والأحذية، والكتب، والأدوات الدراسية، عندما تفتح حقيبته وترى أنه ليس عنده علبة هندسة، تذهب وتشتريها له بخمسة ريالات وتعطيه، تقول: هندستك قديمة هذه هندسة جديدة خذها، أو تعطيه قلماً، أو تساعده في حل واجباته، فإذا كان لك إخوة صغار فهؤلاء هم أعظم خامة بالنسبة لك، فيمكن لك أن تشكلهم على ما تريد أنت، لكن إذا كنت الكبير وأنت الملتزم فيهم، بينما تمارس على أخيك الصغير الضغوطات: قم وهات وافتح الباب واطلع وانزل كرّْهته فيك، وإذا بك تدعوه فيكرهك أكثر، فهذا أسلوب نافع بإذن الله عز وجل.