للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقوى الله غوث كل مستغيث]

فعلينا أن نتقي الله تبارك وتعالى، وألا نغفل عن هذا المصير الذي لا بد منه، ومن كان عنده شك وغفلة وتردد فلينظر إلى القبور، ويسألها لتحدثه بأخبار من فيها:

ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب

حفرٌ مسقفة عليـ هن الجنادل والكثيب

كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب

غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب

تترك أمك وأباك، وزوجتك وولدك، وهم أحب الناس إليك، تتركهم في حفرة مظلمة وتذهب عنهم، تبكي أياماً وليالي، ثم تسلو وتنسى، وأنت سوف تُترك في تلك الحفرة تتوسد فيها التراب، وسوف يكون غطاؤك وفراشك فيها التراب، وأمامك وخلفك التراب، لا فراش معك، ولا أنيس، ولا قريب؛ إلا العمل، فإن كان العمل طاعة الله فأنعم بهذا المقام، وإن كان العمل معصية وغفلة فبئس المقام وبئس الورد المورود، لا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا المقام ليس بعيداً عني ولا عنك ليس بيني وبينك وبين هذا المقام إلا أن يقال: فلان مات، وقد يقال: فلان مات هذه الليلة؛ لأن موت الفجأة من علامات الساعة، يخرج الرجل من بيته وهو يفكر بما سيفعله في سنينه الطوال فلا يعود إلا خبره، ما عاد أحد يموت اليوم في البيوت، لا يموتون إلا في المستشفيات والطرقات، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فعليك أن تكون دائماً مستعداً متأهباً حتى إذا جاء الموت تكون على أحسن حالة وأحسن هيئة وتقول: حياك الله، كما قالت تلك المرأة الصالحة التي جاءها ملك الموت وهي جالسة، فسلم عليها قالت: عليك السلام من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قالت: أهلاً وسهلاً بخير غائبٍ أنتظره.

امرأة مؤمنة علمت الحقيقة في هذه الدنيا، فقامت ليلها ونهارها في طاعة الله، لا يمكن أن تنطق بقول فاحش، أو تلعن، أو تتبرج، أو تختلط بالرجال، أو تؤخر الصلاة أو ترتكب معصية، ولهذا لما جاءها الموت قالت: أهلاً وسهلاً بخير غائب أنتظره، قال لها: هل لك من حاجة؟ -يعني: نعطيك فرصة- تقسمين أموالك، أو توصين أهلك وأولادك، قالت: أما أموالي وأولادي فالله خليفتي عليهم، أريد فقط أمراً واحداً، قال: ماذا؟ قالت: أمهلني حتى أصلي ركعتين، فإذا صليت وأنا في السجود فاقبضني فإني أكون أقرب إلى ربي في تلك اللحظة، فأعطاها ما أرادت.

لا تكن -يا أخي- مثل ذلك الذي كان في ملكه وجبروته وسلطانه، خرج يختال في مشيته، ويتبختر على حصانه، والخيل والموكب الملكي من أمامه ومن خلفه، ويظن أنه لن يموت نسي الموت، وظن أنه بهذه الأبهة وبهذا الملك والغطرسة سوف يخرج من سيئاته كما تخرج الشعرة من العجين، جاءه ملك الموت يعترضه ويمسك بخطام حصانه ويقول له: قف يا هذا! فقال الملك: أمثالك لا يجرءون على هذا، من أنت؟ قال: ادن مني، فدنا منه فقال له: أنا ملك الموت، قال: وما تريد؟ قال: قبض روحك الآن.

قال: أمهلني لحظة.

قال: لا.

قد أمهلناك وأعطيناك فرصة طويلة، أما الآن فلا، فخر صريعاً بين يدي حصانه.

فلا يغرك الشباب إن كنت شاباً، وانظر إلى الأموات من الشباب؛ لأن شبابك إلى هرم، وعافيتك إلى سقم، وحياتك إلى موت، وغناك إلى فقر، وقصرك إلى قبر، وأنسك بأهلك وزوجتك وأطفالك وأقاربك وفراشك ومعاشك سيكون كله نهايته الحفرة المظلمة، فلا تغتر بهذا، إن مثل من يغتر بهذا مثله مثل إنسان في السجن، قالوا له وهو في سجنه: وسوف ينفذ فيك الإعدام غداً، فهذا عاقل قال لنفسه: ما دام الإعدام غداً فلا مجال لي أن أشتغل بطعام أو شراب أو لباس، إنما أشتغل بآخرتي، وأتوب وأستغفر الله عز وجل، وسوف أقوم هذه الليلة، وأصوم هذا النهار، فإذا جاءه الموت كان مستعداً.

لكن آخر قال: غداً يحلها حلال، وسيف الموت على كل رقبة، وإذا به قطع الصلاة، وارتكب المعاصي، وإذا به يفجعه الموت، فما نفعه شيء مما كان فيه.