للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المؤمن والكافر بعد الموت]

ويقص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما يحدث للإنسان بعد الموت، نحن في غفلة عن الموت، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: (خرجنا في جنازة لرجل من الأنصار، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ وهو على شفير القبر عوداً ينكت به الأرض، وقال: إن العبد المؤمن) جعلنا الله وإياكم من أهل الإيمان، ليس ادعاء وإنما عملاً، فلا يكفي أن تدعي أنك مؤمن، ثم لا تأتي على هذا الإيمان بدليل من عملك الصالح.

مؤمن في عينك فلا تقع على حرام، مؤمن في سمعك فلا تستمع لحرام، مؤمن في لسانك فلا يتكلم بفحش، مؤمن في بطنك فلا تأكل الحرام، مؤمن في فرجك فلا يقترب من حرام، مؤمن في يدك فلا تمدها إلى حرام، مؤمن في قدمك فلا تأتي بها إلى حرام، مؤمن في عقلك وفكرك وبيتك وزوجتك وجماعتك وفي وظيفتك، مؤمن في كل تصرفاتك، آمنت بالله وسلمت أمرك لله، أما مؤمن وهو لا يصلي في المسجد يتكاسل عن صلاة الفجر يستأنس بالجلوس مع غير المحارم من النساء اللائي حرم الله عليه الجلوس معهن يطرب لسماع الغناء ويرتاح بتمعين ناظريه في الزنا والحرام -والعياذ بالله- يأكل الحرام والحلال ولا يفكر عاق لوالديه قاطع لرحمه مؤذٍ لجيرانه نقمة على جماعته وقريته، يبغضه كل شيء، أين يكون هذا الإيمان؟! (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة -يعني: انتهت أيامه في هذه الدار، وبدأت أيام الآخرة -نزلت له من الجنة ملائكة معهم حنوط من الجنة، وكفن من الجنة، ثم يجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب الطاهر- النظيف، الذي لا يقع ولا يمكن أن يقع في معصية، ولا يلطخ نفسه بجريمة- اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، وإلى رب غير غضبان) انظر الدعاء واللطف في العبارة، نفس زكية، نفس مؤمنة، كانت تخاف الله وتتقيه، كانت تسرع إلى طاعة الله، قال: (فتنسل روحه من جسده كما تنسل القطرة من فم القربة، فلا يدعوها في يده طرفة عين حتى تأخذها الملائكة، ثم تضعها في ذلك الحنوط، وفي ذلك الكفن، ثم يصعد بها إلى السماء، فيخرج منها كأطيب ريحٍ وجد على وجه الأرض، ثم يصعدون بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها أبواب السماء، فتقول الملائكة: من؟ فتقول الملائكة التي معها الروح: روح فلان بن فلان بأحسن الأسماء التي كان يسمى بها في الدنيا، فيقولون: نعم العبد نعرفه، كان يأتينا منه عمل) يتبين أن هذا العبد كان يحول على الآخرة، كان بينه وبين أعمال الآخرة صك، كل يوم يحول خيرات وصلوات ودعاء وبر وصدقات وإحسان ومعروف وكل خير عنده، الخير عنده مأمول، والشر من جانبه مأمون، لا يمكن أن يتوقع أحد عند مؤمن شراً، ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) لا يخافون منه؛ لأنه مؤمن رادعه خوفه من الله وإيمانه.

فتقول الملائكة: (نعم العبد نعرفه كان يأتينا منه عمل، فتفتح له أبواب السماء، فتستقبله الملائكة التي في السماء الدنيا، ثم يشيعه من كل سماءٍ مقربوها، إلى الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة إلى السابعة، فإذا بلغوا به السابعة قال الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين) السجل حولوه لعليين، وعليين هذه درجة من درجات الجنة العالية، يقول الله تبارك وتعالى فيها: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:١٨ - ٢٠] موقع، من الذي يشهده؟ {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:٢١] الملائكة في السماء، وما في هذا الكتاب؟ {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:٢١ - ٢٨] هذا الكتاب.

(اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوا روحه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه إلى بين الجلد والكفن) وهو لا زال يغسل، ويحمل على الرقاب، توضع روحه بين كفنه وجلده، وإذا هي تقول وهي على الرقاب: (قدموني قدموني) تقول: أسرعوا بي إلى الجنة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أسرعوا بها؛ فإنها إن تك صالحة فخيراً تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني فاسدة والعياذ بالله- فشراً تضعونه عن رقابكم) دعوه يذهب، دعوه يقدم على ما قدم، دعوه قد قلنا له ولكنه أبى، الله أكبر! قال: (فإذا وضع في قبره ووضع عليه اللحود) وجعلوا التراب عليه، من هو؟ أنا -يا أخي- وأنت، ليس ببعيد هذا -يا أخي- عنك ولا عني، أنا الآن سأعود ولا أعلم أأبلت في بيتي أو لا؟ وأنت كذلك لا تعلم، توقع أنها الليلة الأخير -يا أخي- توقع أن الفراش الليلة ليس إسفنجاً ولا بطانية ولا سجادة، توقع أن الفراش هو الثرى، وأن الدفاء هو الثرى، وأمامك التراب، وليس عندك كهرباء، ولا معاش، ولا راتب، ولا زوجة ولا شيء، توقع هذا في كل لحظة -يا أخي- توقعه في كل حين، حتى يتقوى إيمانك ويتحرك قلبك، وتذكر الآخرة.

(فإذا وضع في قبره) وولى الناس عنه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم.

(أتاه ملكان فيقعدانه) يأتي منكر ونكير، وهما الملكان اللذان لا بد أن نمر عليهما أنا وأنتم، ما من كبير أو صغير إلا ولابد أن يأتي عليه الدور عندهما.

(أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) ثلاثة أسئلة لكنها صعبة الجواب، هنا يمكن أن أقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، لكن هناك يختم على اللسان، يقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس:٦٥] هل يدك هذه عرفت الله وهي تستلم الرشوة؟ هل عرفت الله وهي تدفع الزكاة الكذابة المغلوطة؟ هل عرفت الله وهي تذهب للمالية لتستلم المال الحرام؟ هل عرفت الله وهي تدفع أو تمتد إلى الحرام؟ هل عرفت الله وهي تقع وتلمس امرأة غير محرم لها؟! هي التي تتكلم ذاك اليوم، تقول: ربي الله، ولا تقول: ربي الشيطان {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥] لا يتكلم اللسان في تلك اللحظة؛ لأنه مختوم عليه (من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم) وفي هذا التثبيت العظيم، يقول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:٢٧] يعني: في الدنيا {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧] يعني: في القبر {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] يضله الله ولو كان أكبر عالم، ولو كان اسمه (محمد) ما استطاع أن يقول: (محمد) في ذلك اليوم.

يقول: لا أعلم من هو نبيي.

(فتقول الملائكة: على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة -من عند قدميه إلى الجنة- ومهدوا قبره إلى الجنة، فلا يزال في روحٍ وريحان ونعيم عظيم، ثم يأتيه عمله على أحسن هيئة -أحسن صورة- شاب جميل المنظر، طيب الرائحة، أبيض الثياب، فيقول له: أبشر أبشر، قال: من أنت فوجهك الذي يبشر بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، حفظتني حفظك الله، فلا يزال معه في سرور وهو يقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة -يريدها أن تقوم لكي ينتقل إلى أهله وماله في الجنة- أما لعبد الفاجر-أعاذنا الله وإياكم أن نكون من الأشقياء- فإنه إن كان في انقطاع من الآخرة، وإقبال على الدنيا، نزلت إليه ملائكة معهم مسوح من النار، وكفنٌ من النار، سود الوجوه، فيقعدون منه مد البصر) فإذا رآهم حزن؛ فهو يراهم قبل أن يموت، أما المؤمن فيراهم فيبتسم، والمنافق والعاصي والفاجر إذا رآهم يحزن ويقول: ماذا يريد هؤلاء؟ الآن إذا أتاك العسكر يدقون بابك ستخاف، وستقول: من الذي اشتكاني؟ (فيقعدون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت إلى هذه النفس الخبيثة فيقول: يا أيتها النفس الخبيثة! -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب -اخرجي الآن- قال: فتتفرق في جسده فلا يبقى عرق ولا شعرة ولا عصب ولا ظفر ولا عظم إلا وتدخل فيه -تهرب من ملك الموت- قال: فينزعها بقوة كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، ثم تخرج روحه من كل عرق، ومن كل شعرة، فيجد من ألم الموت ما لو وزع على أهل الدنيا لماتوا كلهم.

قال: فلا يدعوها في يده طرفة عين -إذا أخذها الملك- حتى يضعوها في ذلك المسوح الخبيث الذي من النار، ثم يلفونها، فيصعد لها من الريح كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض) لأنه جيفة وداخله خراب، باطنه خبيث -والعياذ بالله- فاسد مجرم منافق عدو لله ولرسوله، كان مستوراً في الدنيا بستر الله، والآن انكشف الغطاء، لا يوجد أمل للستر، فضحه الله في ذلك اليوم.

(ثم يصعدون بها إلى السماء، فإذا بلغوا بها السماء استفتحوا فتقول الملائكة: من؟ فيقال: روح فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فتقول الملائكة: بئس العبد لا نعرفه) ما كانوا يجدون له من عمل، كان مقطوعاً ما له عمل صالح، كان عمله تحت الأرض قال: (ثم قرأ قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا ع