للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هلاك قوم لوط]

هكذا تستمر البشرية في المخالفات، ويستمر الله في العقوبات، ويعاقب الله سبحانه وتعالى قوم لوط الذين كانوا يسيرون في الشذوذ الجنسي، ويتركون ما أباح الله لهم من النساء، ويأتون الذكران، ويمارسون فاحشة ما فعلها أحد قبلهم، ولا يفعلها أحد من سائر المخلوقات حتى البهائم، والكلاب، والقردة، والخنازير، والحمير، وجميع البهائم إذا مارسَت هذا الأمر فإنما تمارسه الذكور مع الإناث، ولا يمارس الذكر هذا الأمر مع الذكر من البهائم، ولا يفعل هذا إلا الشاذ من البشر كما قال عز وجل: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٨٠] فسلط الله عليهم الملائكة، جاءتهم مجموعة من الملائكة ومعهم جبريل، ومعلوم أن الملائكة مضرب المثل في الجمال، أي: إذا رأينا إنساناً جميلاً نقول: فلان كأنه مَلَك أو ملاك في الجمال، فصورهم جميلة، بعكس صور الشياطين القبيحة، فلما جاءوا في صورة بشر تسامع الخبثاء المنحرفون -أي: هؤلاء اللوطيون- سمعوا بالخبر فجاءوا، وقالوا: نريد ضيوفك، قال: {َلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي * هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُم} [هود:٧٧ - ٧٨] يقول: تعالوا أزوجكم بناتي {َلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:٧٨ - ٧٩] يقولون: لا نريد بناتك، {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:٧٩] نريد هؤلاء الضيوف نفعل فيهم الفاحشة؛ فخاف؛ ولكن الملائكة طمأنوه وقالوا له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود:٨١] وامرأته كانت على دين قومها، وكانت خبيثة: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:٨١].

جلسوا في أماكنهم، وحملهم جبريل على طرف جناحه -غرس جناحه في الأرض- حتى بلغ تخوم الأرض السابعة، ثم رفعه ورفع عليه قراهم، وكانوا في ست قرى، وقيل في بعض الروايات: أربع قرى، في مكان يقال له: البحر الميت الذي هو الآن بين فلسطين وإسرائيل، هذا البحر ليس فيه كائنات حية، وأصله ليس بحراً، ولكنه كان منطقة سكن لهؤلاء، ولما حملها صار في المنطقة تجويف، وجاءت الأمطار وتجمعت فيه فصار بحيرة، فسمي البحر الميت، لماذا؟ لأنه لا أسماك فيه، ولأنه موطن عذاب، وما عذب الله أمةً فلا يحيا فيه شيء.

حملهم، وارتفع بهم، ثم رفعهم إلى السماء، حتى سمعت الملائكة في السماء عواء الكلاب، ومواء القطط، وصياح الناس، ثم نكسها، قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر:٧٤] ثم لم يكفِ هذا، فقد أرسل الله عليهم {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود:٨٢] سجيل من جهنم {مَنْضُودٍ} [هود:٨٢] أي: مسبوك، كذلك ((مُسَوَّمَةً)) أي: معلَّمة، على كل واحدة اسم صاحبها، تنزل في جبهته وتخرج من دبره {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [هود:٨٣] أي: معلَّمة عند ربك {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣] أي: إذا نزلت على قوم لوط فأيضاً يمكن أن تنزل على من يفعل فعلهم من البشر الشاذين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوِم لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط) وقال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به).