للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قطع الصلة بالحياة السابقة]

أيضاً هناك شيء مهم وهو: أن تقطع الصلة بالحياة السابقة، وهذا فعل الصحابة، كان الرجل منهم يدخل في الإسلام، ويخلع على عتبة الدين كل ملابس الجاهلية، ولا يلتفت إليها، ولا يحن إليها، ولا يبقى في قلبه أي رغبة فيها، فتقطع صلتك بالحياة الأولى، القرين السيئ، زميل السوء، أماكن السوء التي كنت تذهب وتسمر فيها خلاص، شريط السوء الذي كنت تسمعه، فيلم السوء الذي كنت تراه، أي مكان له علاقة بوضعك الأول قبل الالتزام اقطع الصلة به؛ لأن استمرار الصلة به معناه الحنين إليه، والرغبة في العودة إليه، وهذه بداية الانهزام، وإنما تسلك الطريق ولا تنظر إلى الخلف، إذا نظرت إلى الخلف خارت قواك.

يقول ابن القيم رحمه الله: انظر إلى الظبي وكلب الصيد، فالظبي إذا رأيته كأنه خلق للطيران -بطن الظبي لاصقة بظهره- وإذا أسرع في المشي تظن أنه لا يمس الأرض وأنه يسبح في الهواء، وكلب الصيد ليس سريعاً كالظبي، ولكن لماذا يمسك بالظبي؟ السبب أن الظبي يجري ويلتفت، يريد أن يتأكد هل الكلب وراءه أم لا؟ والكلب يجري ولا يلتفت وعينه إلى الأمام، فكلما التفت الظبي خارت قواه درجة، وزادت في قوى الكلب درجة؛ لأن الكلب يُعرف أنه لا يلتفت إلا وهو متعب، فذاك يشد وذاك يضعف، إلى أن يمسك به، لكن يقول ابن القيم: لو أن الظبي مشى ولم يلتفت؛ لا يطلبه الكلب ولا يصل إليه.

وأنت تمشي إلى الله مسرعاً، يقول الله: {وَسَارِعُوا} [آل عمران:١٣٣] أي: سابقوا؛ لأن وراءك كلب يريد أن يمسك بك، وهو الشيطان، فإذا مشيت ولم تلتفت، لا يستطيع أن يقبض عليك؛ لأن الله يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:٤٢] لكن إذا التفت إلى الأغنية التي كنت تسمعها، ومرت عليك في الراديو قلت: أريد أن أسمعها قليلاً، أمسك بك الشيطان، التفت إلى المرأة، التفت إلى القهوة التي كنت تسمر فيها، والاستراحة التي كنت تقعد فيها على الدش، قلت: سأذهب هذه الليلة، هذه بداية الانتكاس، فاقطع صلتك بالماضي، وافطم نفسك عنه بالكلية، حتى ولو للدعوة؛ لأن الشيطان قد يأتي بك بطريق مبرر، ويقول لك: زملاءك، أقرانك، أحبابك، إن الله هداك؛ فلماذا لا تذهب لتهديهم؟ أنت في هذا الطور لا تستطيع أن تهدي، بالكاد تتعافى فقط، ما نريدك أن تهديهم، اهد نفسك فقط؛ لأنك إذا رجعت إليهم تريد أن تهديهم؛ سحبوك، وأرجعوك إلى ما كنت عليه؛ لأنك لست مؤهلاً لعلاجهم؛ لأن العلاج لا يأتي إلا على طريق الأطباء، أما المرضى إذا تعافى المريض يعافي نفسه، أما أن يتحول من مريض إلى طبيب فإنه سيرجع مريضاً.