للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة قبل الندم]

يخاطب المكلفين ويقول لهم: أمْا آن لكم أن تتوبوا إلى الله، لماذا يسوِّف الإنسان؟ ولماذا يماطل؟ ولماذا يؤخر التوبة؟ وهو لا يستفيد من هذا التطويل أو هذه المماطلة، أو هذا التأخير إلا ضرر على المستويين إما أنه يزيد من المعاصي، أو يفاجئ بالموت فيخسر الدنيا والآخرة.

يقول: لِمَ تؤخر التوبة؟ أما آن لما أنت فيه، ووقعت فيه من الذنوب والمخالفات والمعاصي أن تتوب منها؟ إلى متى وأنت عاصٍ أيها الإنسان؟! هل قررت أن تعيش هذه الحياة للمعاصي؟ زودك الله عز وجل بالسمع والبصر والفؤاد للتتعرف بهذه الحواس عليه، فاستعملتها فيما يغضبه، يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:٢٦] {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨] إن وسائل الإدراك هذه التي أعطاها الله لك من أجل أن تتعرف عليه وتشكره عليها لا من أجل أن تحاربه بها.

ولذا من استعملها في الغرض التي خلقها الله له سعد بها، ومن استعملها في الضرر والمعاصي قال الله عَزَّ وَجَلّ فيه: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:٢٦].

فيخاطب العقلاء ويقول:

أما آن عما أنت فيه متاب وهل لك من بعد البعاد إياب

تقضت بك الأعمار

انصرمت بك الليالي، وذهبت الشهور، ومرت الدهور والأعوام، وأنت على ما أنت عليه فلم تتغير، تقضت بك الأعمار من غير طاعة سوى عمل تتصور أنه ينفع وترضاه وهو سراب.

ثم يقول:

ولم يبق للراجي سلامة دينه سوى عزلةٍ فيها الجليس كتاب

كتابٌ حوى كل العلوم وكل حواه من العلم الشريف صواب

فإن رمت تاريخاً رأيت عجائباً ترى آدم مذ كان وهو تراب

إذا رأيت التاريخ ارجع فيه إلى السجل التاريخي، فالقرآن سجل بشري للعالم منذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا، ثم قال في النهاية:

ففيه الدواء من كل داءٍ فثق به فوالله ما عنه ينوب كتاب