للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستجابة لداعي الله في الأرض]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فالمستجيب لله لا يتردد، بل يكفيه داعٍ واحد فقط، وهذا شأن الصحابة عندما سمعوا داعي الله، حتى كان الرجل يدخل في الإسلام فيتغير كل شيء في حياته من نفس اللحظة التي دخل فيها للإسلام.

لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير كسفير له وداعية إلى المدينة قبل الهجرة، فكان أول سفير في الإسلام يرسل لتمهيد العلاقات الدينية هو مصعب بن عمير، ومصعب هذا شاب من شباب الإسلام، كانت أمه من أثرياء مكة، وكان له منها عطاء وهبات، وكان إذا مشى في طريق يعرف الناس أن هذا الطريق مشى فيه مصعب بسبب الرائحة التي فيه، ولما أسلم عارضته أمه، وقطعت عنه الهبات فأصبح فقيراً حتى أنه لما قتل في غزوة أحد وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليدفنه، ما وجد لديه إلا قطعة ثوب إن غطي بها رأسه انكشفت قدماه، وإن غطيت بها قدماه انكشف رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فغُطي بها رأسه ووُضع على رجله من شجر الإذخر، وقال: (لقد كنت أرى مصعباً وهو أنعم شاب في مكة) لكن هنيئاً له الجنة.

مصعب عندما قدم المدينة وجلس يعلم الناس، وعلم سعد بن معاذ بالخبر، أرسل إليه أسيد بن حضير، وقال: أسكت هذا الرجل، وإذا أبى فأت برأسه.

فلما جاء أسيد قال له: اسكت، فقال مصعب: اسمع ما نقول فإن أعجبك وإلا سكتنا، فجلس عنده، فقرأ عليه من القرآن، فدخل الإيمان في قلبه مباشرة، قال: ماذا يقول من أراد أن يدخل معكم في دينكم؟ قال: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشهد شهادة الحق، ثم قال لـ مصعب: ذاك الجالس زعيم قومه -أي: سعد بن معاذ - اصدق الله فيه يا مصعب.

فرجع أسيد، فقال سعد: والله إن أسيداً رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به.

فهو ذهب بوجه كافر، وعاد بوجه مسلم، تغيرت ملامحه من أول لحظه رغم أنه لم يعمل شيئاً إلا شهادة الحق، فلما جاء إلى سعد قال له: ما لك لم تسكته؟ قال: اذهب أنت أسكته، يريده أن يذهب هو حتى يسمع الكلام، فأخذ رمحه، وقام مغضباً، وركب جواده، وجاء إلى مصعب وقال له: اسكت، قال له: اجلس واسمع ما نقول، فإن أعجبك وإلا كففنا عنك، قال: لقد أنصفت، فقرأ عليه القرآن -والذي يقرأ بإخلاص، ويدعو بإخلاص؛ يرجو بعمله وجه الله؛ يجعل الله في عمله بركة وخيراً- فما إن دخلت هذه الآيات أذن سعد إلا وأعلن شهادة الحق ودخل في دين الله، وهو زعيم الأوس ورئيسهم، ولما رجع قال لقومه: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: فإن طعامكم، وكلامكم، وشرابكم علي حرام إن لم تؤمنوا بمثل ما آمنت به، فآمنوا كلهم فما بقي بيت من بني عبد الأشهل إلا دخله الإسلام تلك الليلة، تأمل! تجد لديهم استسلاماً واستجابة فورية.