للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة آدم عليه السلام مع إبليس]

يقول الله عز وجل للملائكة: {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠] وبعد ذلك علم آدم الأسماء كلها، وبعد ذلك أمر الملائكة بالسجود له فقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص:٧١ - ٧٣] والملائكة الذين سجدوا هم عباد الله الذين يطيعون الله، ويسبحونه بالليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فبطاعتهم ظلوا ملائكة مقربين عند الله عز وجل، إلا واحداً، وهو إبليس.

ولهذا فالطائعون في الأرض قدوتهم الملائكة، والعصاة قدوتهم إبليس، فهو المدير العام للعاصين، فإذا أردت أن تصير مع المدير العام فاعص الله.

وبعد ذلك ماذا كانت معصية إبليس؟ طلب منه أن يسجد: {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر:٣٣ - ٣٤] يقول ابن القيم: يا قليل العزم! إبليس طرد من الجنة بذنب، وأنت عند الباب وعندك ألف ذنب تريد أن تدخل، وأبوك أخرج من الجنة وهو من أهلها بذنب، وأنت خارجها وعندك ألف ذنب.

فلا يمكن ذلك.

فلا بد من المراجعة مع هذه النفس الأمارة بالسوء.

فلما رفض أن يسجد، والله عز وجل لا يعصى، فهل يعصى الملك في مملكته؟ أبداً، إذا صدر أمر من أي ملك أو رئيس دولة في مملكته؛ لزم الشعب تنفيذ أمره.

وهل يعصى المدير في إدارته؟ هل يعصى الرجل في بيته؟ لا.

فهل يعصى الله في خلقه، وسماواته وأرضه؟ لا يعصى.

لكن إبليس عصى، وقال: لا أسجد.

ولماذا لا تسجد؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:٧٦] والنار تأكل الطين وهذا قياس فاسد؛ لأن النار وسيلة إحراق، والطين وسيلة إعمار، فقال الله له: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:٣٤ - ٣٦] يريد أن يستوفي {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:٣٧ - ٣٩] لا إله إلا الله! {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:٤٠] الذين تشرفوا بعبوديتهم لك، فهؤلاء لا أقدر عليهم، قال الله له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:٤٢] لا تقدر عليهم، فهم في جنابي، ولاذوا بحماي، فليس لك عليهم سلطان، إلا من اتبعك، والذي يأبى إلا أن يمشي وراءك، وتوسوس له بالشر فيطيعك؛ فإن جنهم موعدهم أجمعين {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:٤٢] {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٨] أي: ستساق أنت ومن معك إلى جهنم.

لماذا؟ لأنهم ما تشرفوا بالعبودية لله عز وجل، فلما خرج إبليس من الجنة رأى أن المسألة فيها لعنة وطرد والسبب آدم، فجاء إليه ووسوس له: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:٢٠] وقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه:١٢٠] وهي في الحقيقة شجرة الخروج لا الخلد.

لكن انظر كيف قلب الحقائق، فجعل الأبيض أسود، فشجرة الخروج يقول عنها: إنها شجرة الخلد، فمثلاً حين يأتي الشيطان إلى الشخص الهادئ الجالس، فيقول له: أتريد أن ترى الدنيا؟ فأنت مهموم وعندك وساوس وأفكار.

قال: نعم.

قال: أتريد أن تنشرح وترى الدنيا كلها؟ قال: نعم.

قال: خذ هذه الحبة، أو هذه الجرعة من (الكوكايين) أو المخدرات، فسترى الدنيا كلها.

فإذا أخذ الجرعة وإذا برأسه يدور، وبعد فترة وإذا به مروج للمخدرات، وماذا بعد ذلك؟ قبضوا عليه، وأخرجوه، ونسفوا رأسه.

فمن الذي ورطه في هذا؟ إبليس ورطه كما ورط أباه، فقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠] فمسكين آدم عليه السلام أحسن الظن بالشيطان؛ لأنه حلف له.

قال الله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١] * {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:٢٢] أي: بكيد وخديعة ومكر، فما كان آدم يتصور أن أحداً يحلف بالله كاذباً، فصدق الشيطان، ولهذا لا تصدق الشياطين من الإنس، فقد يأتي ويحلف لك: والله إني أريد مصلحتك، فهذا شيطان، يريد أن يدليك كما دلى أباك -والعياذ بالله-.

وبعد ذلك رجع آدم عليه السلام، قال الله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:١٢١] * {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:١٢٢] ثم بقيت سلسلة العمل بالخير والشر ممثلة في الناس إلى يوم القيامة، وتأتي نتائج الناس وثمرات أعمالهم واضحة.