للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات الإيمان بقضية حسابية تجارية]

ومنهم من مارس القضية على أساس أنها قضية حسابية تجارية، فقالوا: نحن في الإيمان نكسب ولا نخسر شيئاً، ونحن بالكفر نخسر ولا نكسب شيئاً، حتى قال فيلسوف غربي اسمه باسكال: إن عليك قبل أن تقرر بين أن تؤمن أو لا تؤمن، عليك أن تقيس وتفكر فيما يمكن أن تربحه في الإيمان وما يمكن أن تخسره، وما يمكن أن تربحه بالكفر وما يمكن أن تخسره، ثم قال: إنك بالإيمان تكسب كل شيء ولا تخسر شيئاً مهماً، وإنك بالكفر تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، بالإيمان ماذا تكسب؟ تكسب الصدق، والعفة، والوفاء، والكرم، والشجاعة، وتكسب كل شيء، وتخسر ماذا؟ تخسر الزنا، والزنا خسارة إذا لم تزنِ؟ العقول بدون دين ترفض الزنا، وتخسر الخمور، وهل الخمور مكسب؟ هي خسارة.

كيف يسعى في جنون من عقل

تخسر الكذب، والجبن، والخصال الرذيلة، فهذه ليست خسارة، بل تركها كسبٌ لك أيها الإنسان.

وقال أبو العلاء المعري؛ وهو فيلسوف ملحد، قادته فلسفته إلى الإلحاد والكفر -والعياذ بالله- يقول بيتين من الشعر:

زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت: إليكما

إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما

يقول: أنا سأموت، فإن جاء في الآخرة بعث ونشور فأنا لم أخسر شيئاً، لكن لو جاء يوم القيامة وليس هناك بعث ولا نشور فأنت الخاسر، أنا ما خسرت شيئاً، وطبعاً نحن لا نأخذ إيماننا من هذه النظرية القائمة على الاحتمال، هذه نظرية أبي العلاء المعري الذي يقول: أنت خاسر وأنا سأكسب مباشرة، وليس عنده يقين، ولذلك ألحد.

لكن.

نحن نأخذ إيماننا عن طريق الجزم والحق الذي نجزم بأنه هو الحق، وأن ما عداه فهو الباطل، وأن دين الله الذي شرعه الله، وأنزله الله تبارك وتعالى، هو دين الله الذي يصلح لكل حياة، والمؤمن -أيها الإخوة- حينما يهتدي لا يخاطر بدنياه من أجل أن يربح في آخرته، بل هو يربح دنياه ويربح آخرته؛ لأن هذه الحياة ستبقى شقاءً، وستبقى غايةً في الضلال إلا أن يعمرها الإنسان بطاعة الله عز وجل.