للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة الحقيقية في الإيمان]

الأهمية الثالثة: إن الإيمان يكسبك أيها الإنسان! طعم الحياة ولذتها.

إن الحياة أيها الإخوة! لها لذة وطعم، ولكن هذا الطعم وهذه اللذة ليست في الشهوات، ولا في الملذات، ليست في كأس، ولا غانية، ولا نغمة، ولا نومة، ولا رحلة، ولا نزهة، ولا في شيء من هذا، فمهما تمتعت -والله الذي لا إله إلا هو- مهما تمتعت من متاع الدنيا، وأنت بعيد عن الإيمان، فإنك تعيش في عذاب لا يعلمه إلا الله، العذاب الذي يعاني منه الناس وهو موجود في قلوبهم، سببه بعدهم عن الله تبارك وتعالى، قد يقول قائل: لم؟ لأنك تلبي فقط متطلبات جسمك وكيانه، فتعطيه الأكل والشرب، والشهوات، والرحلات، والسهرات، والنوم، والعلاج، فتبني هذا الجسد، لكن تهمل روحك وكائنك الداخلي، فكوب البرتقال، والتمشية، والنزهة لا يستفيد منها إلا جسدك، أما روحك فإنها تكون في عذاب، إلى أن يأتيها غذاؤها، وغذاؤها من أين أيها الإخوة؟ إنه من الإيمان بالله، من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذا يخبر الله عز وجل أن الذي يعرض عن دين الله، وعن كتاب الله، والإيمان به، وعن السير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما يعذبه الله في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فالضنك والشقاء والضيق، فمهما تمتعت، فمتع الحياة كلها لا تلبي رغباتك من راحة القلب، فأنت تشعر عندما تدخل المسجد وتقرأ آية من كلام الله، أو تركع ركعة لله، أو تسجد سجدة لله، أو تذكر الله وتستغفره، أن سروراً دخل إلى قلبك هو أعظم من جميع لذائذ الحياة، لكن بغير الإيمان والدين فإنه سوف يبقى شيء في الداخل ينغص حياتك مهما تمتعت، سوف يبقى شيء يلذع قلبك، يقول لك: إن الشهوات ليست هي الحل، ولهذا يقول الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].

إنك لا تخسر بالإيمان شيئاً، إن الإيمان يُصلح لك الدنيا قبل الآخرة، يتصور بعض الناس أن للإيمان آثاره ونتائجه في الآخرة فقط، لا.

إن للإيمان آثاراً في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:١٣٤] فثواب الله عز وجل في الدنيا والآخرة وفي دين الله تبارك وتعالى: الأمن، والطمأنينة، والاستقرار، والرضا، وأنت لا تفرح بهذه الحياة، لماذا؟ لأنك تعبد الله، تسير على الخط الصحيح، حتى لو جاءك الموت فإنك تفرح، ترجو لقاء الله وتحبه، وهذا لا تجده أبداً إلا في الإيمان والدين، وفي الخضوع لشريعة الرحمن تبارك وتعالى، وبغيره العذاب، والقلق، والحيرة، والاضطراب.

هأنتم ترونهم في الغرب والشرق يعيشون تحت ظل الكفر، ويعانون من ضغط المادة والحضارة ما لو وضع على الجبال الراسيات لأرضها أو صدعها، يتخلصون من الحياة، ويهربون من ضغوطها بالانتحار والموت، وبالأعمال التي يتصورون أنها مبدعة وخارقة، وهدفهم منها الموت سباق السيارات التي يسمونها (الرالي)، هل ترون أنه سباق سيارات؟ هل تتصورون أنها شجاعة منهم، أو رغبة في الرياضة؟ لا.

لكنها عملية انتحار، هو يعرف نفسه أنه سوف يذهب منتحراً من أعلى جبل، أو من على بئر، لكن تجده يقول: أنتحر وآخذ لي سيارة، وقبل أن أموت أحقق رقماً قياسياً عالمياً، ويذكر اسمي، فيذهب بسيارته ويسابق، فإذا رأيته تقول: هذا مجنون.

هذا ضرب من ضروب الهروب من الحياة، لماذا؟ بسبب الضغوط التي تثقل قلوبهم بكفرهم، وببعدهم عن الله تبارك وتعالى.

فيا أخي في الله! أنت بالإيمان تكسب كل شيء، ولا تخسر شيئاً مهماً، وبالنفاق والكفر والعياذ بالله! تخسر كل شيء، ولا تكسب شيئاً مهماً بالإيمان تكسب سعادة الدنيا، فتعيش مرتبطاً بالله متصلاً به، تتلقى تعليماتك وتصوراتك وأفكارك وتوجيهاتك كلها من الله، في كل دقيقة من دقائق حياتك، وكل جزئية من جزئياتك، حتى في الأكل، نعم تأكل، لكن الأمر من الله علمك كيف تأكل وتشرب، فتأكل وتشرب بيمينك، وعلمك كيف تنام، فإنك تنام على شقك الأيمن ذاكراً لله، وعلمك كيف تدخل دورة المياه، فإنك تقدم رجلك اليسرى، وتستعيذ بالله من الخبث والخبائث، وعلمك كيف تأتي زوجتك نعم، فإنك تمارس هذا باسم الله، لا باسم الشيطان الرجيم.

هذا شرف، وأي شرف أيها الإخوة! أي شرف أعظم من أن تعيش في الأرض وتوجيهاتك كلها من الله؛ تسير في الشارع وأنت مأمور من الله بغض بصرك، وبرد السلام، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمساعدة الضعيف، هذه كلها أوامر من الله تدخل مكتبك لتمارس عملك وعندك أوامر من الله تدخل سوقك لتبيع وتشتري وعندك أوامر من الله أي شرف أيها الإخوة! أعظم من هذا الشرف؟! وأي مجد أعظم من هذا المجد؟! إنه شرف الإيمان بالله، شرف العيش على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا في الدنيا أيها الإخوة.

وبعد ذلك لا يحرمك الإيمان من شيء، يقول الله عز وجل في متع الحياة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:١٧٢] كلْ مما جعله الله طيباً في هذه الأرض كلها {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:٥١] تزوج، وإذا لم تكتف بواحدة فاثنتين أو ثلاث أو أربع، لكن الحرام لا.

لم؟ لأنك طيب، والله طيب ويأمرك بالطيب، ويجعل لك زوجة طيبة خالصة لك، لكن القذرين الخبثاء لا يألفون إلا الخبث والعياذ بالله! فالإيمان عندما حرم عليك الزنا لم يرد تعذيبك، بل أراد كرامتك، وعندما حرم عليك الخمور لم يرد تعذيبك، وإنما أراد صيانتك، وعندما حرم عليك المخدرات، لم يرد حرمانك من ملذات الحياة، وإنما أراد تكريمك وتفضيلك، وجعلك إنساناً ذا عقلية متميزة، لا تلغيها ولا تذهبها بالمخدرات.

إذاً أنت بالإيمان لا تخسر شيئاً، بل تكسب كل شيء تكسب الدنيا، وهل الدنيا فقط هي المكسب؟ لا.

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، في ضرب نسبة ومقارنة بين الدنيا والآخرة: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم ثم ينزعها فلينظر بم ترجع؟) هل ترجع إصبعك بقطرات من محيط الآخرة؟ والله خسارة عليك يا أخي! أن تضيع الآخرة من أجل هذه القطرات.

ويوم أن تموت وتتخلى عنك الحياة، يأتيك الإيمان ليسعفك في تلك اللحظات، يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].

وبعد ذلك إذا انسلخت من الحياة، وانتزعت منها، وسللت منها كما تسل الشعرة من العجين، إذا كنت صاحب منصب فإنهم ينزلونك من منصبك، أو كنت صاحب عمارة فإنهم ينزلونك من عمارتك، أو كنت صاحب أولاد فإنهم يتبرءون منك، أين توضع؟ في القبر، في الحفرة المظلمة، من ينفعك هناك؟ ينفعك الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:٣٠ - ٣١].

وبعد ذلك يوم يُبعث الناس من قبورهم لفصل الجزاء والحساب يوم القيامة، لا خوف عليك ولا أنت تحزن: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧٠ - ٧١].

هل خسرت شيئاً بسبب الدين؟ لا.

هل خسرت الزنا؟ لا.

لأن الزنا تركه ليس بخسارة بل هو ربح، هل خسرت الربا؟ لا هل خسرت الشرك بالله؟ لا.

هل خسرت الخمور؟ لا.

هل خسرت المحرمات كلها؟ لا.

لكنك ربحت؛ ربحت العزة، والتوحيد، والصلاة، والصلة بالله، ربحت الزكاة، والمواساة لإخوانك في الله، ربحت الصيام وهو أزكى العبادات، ربحت الحج والوقوف بعرفات، ربحت ذكر الله في الأرض، وذكره لك في السماء، ربحت الصدق، والبر، والوفاء، والمروءة، والشهامة، والكرم، والشجاعة، ربحت كل خُلُقٍ كريم أمر الله به.

هذا في الدنيا وبعد ذلك تربح الدنيا والآخرة.

إذاً: أيها الإخوة! هل الإيمان ضروري أم لا؟ إنه -والله- من أهم ضرورات الإنسان.