للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المجاهدين وواجبنا تجاههم]

أيها الإخوة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان أو كالبنان يشد بعضه بعضاً) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كأعضاء الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) إخوانكم في العقيدة والدين والإيمان، يعيشون في أفغانستان، وقوى الشر والطغيان والإلحاد تتكالب عليهم من كل حدب وصوب، حتى قرأنا في آخر الأخبار أنهم يتعرضون لمجاعة، وأن المجاهدين الآن يبيعون أسلحتهم ليشتروا طعاماً لأطفالهم ونسائهم، وكتب لي أحد قادة المجاهدين يقول لي: إنه يموت في كل يوم مائتا طفل من الجوع! يموتون جوعاً ونحن نموت شبعاً وتخمة، ونقذف بشتى أصناف الأطعمة في القمائم، أيليق هذا بنا أيها الإخوة؟!

تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب

الآن الكلاب في الشوارع لم تعد تأكل اللحم والأرز، لأنها شابعة، وإخوانكم يموتون جوعاًَ، وفي أيديكم فضول أموال منّ الله بها عليكم، إن مقتضى شكر الله على نعمة المال التي بأيدنا أن نواسي إخواننا أولاً، لنسقط عنا جزءاً من عهدة الجهاد، فإن الجهاد ليس فرضاً على الأفغان فقط، إنه فريضة الله على كل مسلم، فعلى كل مسلم الدفاع عن الإسلام، يقول الله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:٤١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:١٠ - ١١] فإن قعدت عن الجهاد بنفسك فلا تقعد عن الجهاد بمالك؛ لأن (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) والآن شهر رمضان على الأبواب، وإخوانكم يصومون ويموتون جوعاً، يموتون جوعاً قبل رمضان، فكيف إذا جاء رمضان؟!! كيف يفطرون؟ ونحن أصابتنا التخمة من كثرة الأكل، معظم الناس الآن يستعد لرمضان بقائمة من الطلبات، بعض النساء قد قدمت كشف الطلبات لزوجها من قبل أسبوع كرتون شعيرية، وكرتون شربة، وكرتون قطر الموز، للمحلبية، والحبة تكفي شهرين، ومع ذلك تريد كرتوناً، لماذا؟ من أجل أن تصنف الأطعمة وتعددها، ثم يأكلون من كل نوع لقمة أو لقمتين، والباقي يرمى في القمامة، وإخواننا يموتون جوعاً.

يا إخواني! المؤمن تحت ظل صدقته يوم القيامة، إذا أنفق نفقة وجدها، يقول الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:٢٤٥].

فالمال مال الله، ساقه الله إليك من حيث لا تحتسب، ثم يطلب منك أن تقرضه، سبحان الله! أي فضل هذا؟! المال مال الله، يقول: خذ.

ويعطيك، ثم تقرضه من أجل أن يضاعفه لك، ولم ترضَ بذلك!! {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩].

إن صدقتك التي تقدمها اليوم تجدها غداً، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنهم ذبحوا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فأنفقتها حتى لم يبق منها إلا كتفها، فلما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هل بقي شيء؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال: لا يا عائشة! قولي: بقيت كلها إلا كتفها) لماذا؟ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:٩٦] {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩].

يا إخواننا! إن علينا مسئولية أمام الله في هذا الأموال التي بين أيدينا، يجب أن نساهم وأن نتبرع في كل فرصة ومناسبة تتاح، لمد إخواننا المجاهدين، ومعنا في هذا المكان المبارك بعض الإخوة المخولين من قبل الهيئات الرسمية، لجمع التبرعات لإخواننا المجاهدين، وسوف يكونون عند الأبواب لجمع التبرعات، ولا تخرج هذه الليلة إلا بمساهمة، اجعل لك نصيباً يا أخي! أطعم واحداً من المجاهدين في هذه الليلة، فلو أن سيافاً طرق عليك الباب، وقال لك: جئتك من الأفغان، وأريدك أن تطعمني هذه الليلة، ماذا تقول له؟ ليس عندي شيء، لا.

ستقول: مرحباً، ولو أطعمته من لحمك، لماذا؟ لأنك تحبه في الله، فأطعمه الآن وهو هناك بإرسال مبلغ من المال، خمسمائة ريال، مائتين ريال، مائة ريال، خمسين ريالاً، أو أقل منها؛ لأن بعض الناس يفتح كيس النقود فإذا رأى خمسمائة جعلها على جنب، ومائة على جنب، وخمسين على جنب، وعشرة على جنب، كل هذه لمن؟ هذه للمرأة، امرأتك إذا طلبتك وقالت: أريد أن أخرج إلى السوق لأشتري أشياء، وأعطيتها خمسمائة ستقوم برميها في وجهك، تقول: ما هذه الخمسمائة؟! هذه لا تكفي لشراء نعل، أريد ألفين أو ثلاثة، فيقول: حاضر، خذي، وإذا لم يعطها فقد تضربه، لكن إذا طُلب منه نفقة في سبيل الله فإنه قد يبخل، وقد يخرج خمسة أو أقل من ذلك، كيف تنصر ديننا بخمسة؟! في غزوة العسرة جاء أبو بكر بماله كله، وعمر جاء بنصف ماله، وقال عمر: [لا أسبق أبا بكر إلا هذا اليوم] فلما جاء عمر بنصف ماله، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟ قال: نصف المال) وإذا بـ أبي بكر يحمل ماله كله على كتفه، لم يبق درهماً واحداً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأولادك يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) فقال عمر: [فعلمت أني لا أسبق أبا بكر إلى خير أبداً] هؤلاء الذين يحبون الله ورسوله، نريد مساهمة مجزية، مساهمة تجدها عند الله يوم القيامة.

واعلم أنك -والله- ما تقدم شيئاً إلا تلقاه، لن يضيع الله مما قدمت شيئاً، بل يربيه، يربي الله لك الصدقة، كما جاء في الحديث: (إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) فكما تربي فلوك يربي الله صدقتك، تأتي وهي مثل الجبال يوم القيامة.

وأذكر لكم قصة واقعية، يحدثني بها من أثق فيه، وعاش أحداثها ويعرف الذي وقعت له في جبال عسير كان هناك رجل مسافر، فآواه المبيت في ليلة مطيرة وذات رياح عاتية إلى أن دخل ونام في غار -كهف في الجبل- وبينما هو نائم -وبهذا الكهف كان قبراً- رأى في المنام رجلاً وامرأة ومعهما بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، ولكن الذي أشكل عليه أن البقرة لا جلد لها، جلدها مسلوخ، ودماؤها تقطر من لحمها، فتقدم إلى الرجل وقال: يا أخي! ما شأنك؟ من هذه المرأة ومن أنت؟ وما هذه البقرة التي ليس عليها جلد؟ قال: هذه زوجتي وأما البقرة فإنه عندما كنا في الدنيا أحياء، أصابت الناس مجاعة، فشعرنا بحاجتهم إلى اللحم، فذبحنا هذه البقرة، وقسمناها على الفقراء والمساكين، فما بقي بيت في القرية إلا وأكل من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، فلما مت أنا وزوجتي، أعطانا الله بقرة في الجنة غير أنه لا جلد لها.

يقول: أتأسف على شيء في حياتي، أتأسف على الجلد، يا ليتني أنفقته في سبيل الله كما أنفقت البقرة، فيا أخي! أنفق في سبيل الله، ضع مبلغاً من المال تجده عند الله تبارك وتعالى، أسأل الله أن يأخذ بقلوبنا وإياكم إلى ما يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.