للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البصر والبصيرة الربانية]

يقول الله عز وجل: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بعمل أحب إلي مما افترضته عليه) فأحب شيء عند الله أن تعمل الفريضة: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فهذا العمل محبوب عند الله، لكن أنت غير محبوب عند الله بالعمل فقط، انظروا إلى التفريق في الحديث (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) يعني: أفضل عمل تتقرب به إلى الله وهي: الفريضة، لكن لا تكفي لنيل محبة الله لك، فأنت، لا تنال محبة الله إلا بشيء ثانٍ مع الفريضة وهو النافلة قال: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فأنت تقدم العمل المحبوب عند الله ثم تزيد العمل الثاني حتى يحبك الله فإذا أحبك الله، قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) تصبح هذه الأذن ليست سمعك، أنت تسمع بالله، فهل يمكن أن تسمع حراماً وأنت تسمع بالله، فبمجرد أن تسمع أغنية تضطرب أذنك وتهتز؛ لماذا؟ لأنك تسمع بالله، أذن ربانية لا يمكن أن تسمع كلمة تسخط الله (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) عينك لا يمكن أن ترى حراماً، إذا رأت امرأة كأنما ترى شيطاناً لم يعلم أين الآخرة والجنة؟ بينما ذاك المؤمن يغض بصره لماذا؟ لأنه بصر رباني لا يمكن أن يرى ما حرم الله، كونك ترى امرأة منظر جميل، لكن ماذا يغنيك النظر إذا رأيت حراماً؟ ما هي المصلحة؟ الله يقول: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] يعني: غض البصر، لكن النظر ليس أزكى، لماذا؟ لأنك تنظر إلى شيء لا تقدر ولا تصبر عليه، وإذا قدرت عليه فهو حرام، والحرام لا يحل مشكلتك، هب أن أحداً من الناس لم يخف الله ولم يراقبه، واستطاع بعد أن نظر أن يتصل بها ويزني، هل يحل الزنا مشكلته؟! لا.

إن الحاجة إلى الجنس كالحاجة إلى الطعام، إذا تغدى لابد أن يتعشى، وإذا تعشى لابد أن يفطر، وإذا أفطر لابد أن يتغدى.

هب أنه زنى مرة، هل يستطيع أن يزني كل يوم؟ وهب أنه استطاع أن يزني كل يوم، هل يزني في كل حياته؟ هل يعيش زانياً ملعوناً مطروداً عن الله عز وجل؟ ما هو الحل؟ الحل من أول الطريق: لا تنظر.

(باب تأتيك منه الريح سدّهُ واستريح) هذه عينك التي يأتيك منها ريح الزنا ماذا تفعل؟ أغلقها، فإذا رأيت امرأة غض بصرك، نعم هناك تعب، لكنه أقل مائة مرة من تعب النظر.

يقول الناظم:

وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل

إذا أنا نظرت إلى الحرام فماذا يحصل؟ الذي يحصل أن مردود الحرام يرجع على قلبي فيكسره ويحطمه، فمن مصلحتي أن أغض بصري ابتداء، ولكن لماذا أشعر بالتعب حين أغض بصري؟ لأن الشيطان يزين النظر أمامي، ولكن حين أحتسب هذا عند الله عز وجل يحصل لي منه ثواب كثير.

فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) فلا بد من الموت -أيها الإنسان- فالشاهد في الحديث: (كنت بصره الذي يبصر به) فمتى يكون الله بصرك؟ ومتى تبصر بالله؟ ومتى يكون بصرك ربانياً؟ تقدم المواضيع وتؤخرها على ضوء أولويات دينك وعقيدتك، ترى القرآن فتألفه، وترى المجلات فترفضها، ترى المساجد فتحبها، وترى الملاعب والمقاهي والمنتزهات التي فيها المعاصي فتنفر منها، ترى النساء فتغض بصرك ولا تنظر إليهن، ترى زوجتك أجمل ما يمكن أن ترى إن كنت متزوجاً، وإذا لم تكن متزوجاً فاستعفف (ومن يستعفف يعفه الله) والله تعالى يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣] ما هي العفة؟ هي استعلاء، وتطهر وتنزه وترفع عن هذه القاذورات إلى أن تتزوج حلالاً، ثم تسير في طريق الحلال الذي شرعه الله لك.