للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمرة الهداية]

نعمة الهداية نعمةٌ ثمرتها الجنة، والحديث عن الجنة تُشرق له النفوس، دون أن تعلم حقيقة الحديث، فإن كل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، كل ما تتصور، اذهب بخيالك واسرح ببالك في آفاق الخيال، وتصور كل ما يمكن أن يهديك إليه بالك وخيالك، ولكن أغلى الأماني عندك وأعظم الخيالات لديك تقف دون أن تصل إلى حقيقة ما في الجنة، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:١٧ - ٢٢] جاء الوصف مترتباً بعضه على بعض إلى أن جاء كمال النعمة بزوجات الجنة، غذاء، وطعام، وشراب، وفاكهة، وبعد ذلك لحوم، وبعد ذلك لا بد من شيء بعد هذا، حتى يتم السرور كله، قال الله: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:٢٢] كيف هُنَّ يا ربِّ؟ قال: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٣] الحورية كاللؤلؤة المكنونة {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:٢٤ - ٢٦].

نسأل الله وإياكم من فضله.

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١] وفوق هذا كله طمأنينة، لا خروج {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١].

هذه نعمة الجنة، ثمرة من ثمار الهداية والإيمان والدين.

وثمرة أخرى، لا تقل عن هذه أهمية، هي: النجاة من النار، والله لو ما في الهداية إلا النجاة من النار لكانت السلامة كرامة، لو أمرك الله أن تخر ساجداً منذ خلقك إلى أن تموت من أجل أن تنجو من النار، وبعد ذلك يصيرك الله تراباً، لكان من حقك ألا تعصي الله طرفة عين؛ من أجل أن تنجو، أو لو أن الله أمرك منذ خلقك إلى أن تموت أن تخر له ساجداًَ من أجل أن تدخل الجنة وإذا عصيت يصيرك تراباً؛ لكان من حقك أن تطيع الله، فكيف إذا أطعته أدخلك الجنة ونجاك من النار؟! هل بقي لك مسوغ عقلي أن تعصي الله من أجل شهوة طاغية، ومن أجل لذة زائلة، ومن أجل شُبهة مضللة؟! لا والله.

كذلك النار، كلما يمكن أن تتصوره من العذاب مهما سرحت في الخيال، وتصورت في البال فإن ما أعد الله لأهل النار في العذاب لا يخطر على بال، يقول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] بدا لهم من العذاب ومن النكال والدمار ما لم يكن يخطر لهم على بال {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:٧١ - ٧٢].

{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت:٥٥].

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:١٦].

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:٤٧ - ٤٨] على وجهه، أغلى ما في المرء وجهه، تود أن تُسحب على كل شيء إلا على وجهك {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر:٢٤]، لكن: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٨ - ٤٩].

{إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر:٧١] أغلال، الغل هو: القيد الواسع، الذي يوضع في الرقبة، ثم إن الغل مربوط بسلسلة (وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:٧١ - ٧٢].

{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٦] إذا بلعه فلا ينزل من حلقه إلا بتعب، زقومٌ، ينشف لا يطلع ولا ينزل، ثم إذا نزل فإنه ينزل بدافع الماء الحميم، يشرب الماء فينزله، فإذا نزل اشتعل في بطنه، نفس الطعام {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٤] وما هو نوعه؟ قال: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان:٤٥] يشتعل في بطنه، لا إله إلا الله! {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:٤٧] أي: إلى وسط النار {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٨] لماذا؟ قال: {ذُقْ} [الدخان:٤٩] ذُقْ يا شخصية! ذُقْ يا عظيم! ذُقْ يا ثري! {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٩] كنتَ عزيزاً في الدنيا وكريماً في الدنيا؛ لكن ما كنتَ عزيزاً على الله، ما كنتَ كريماً لدى الله، عزيزاً في الدنيا، في المادة والدرهم والمنصب والجاه والسلطة، ولكن لا وزن لك عند الله، لا قيمة لك عند الله عز وجل {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٩] هذا عذاب ذكره الله، وذكر غيره كثيراً في القرآن.

فيا إخواني! من يصبر على هذا العذاب؟! الذي لديه إمكانية يرفع إصبعه ويقوم، وما نذهب به إلى نار مثل هذه النار، نُشعل في يده عود الثقاب فقط -عود كبريت- ونقول له: يا بطل الأبطال! ويا متحدي النيران! أشعل هذا الثقاب واصبر عليه حتى يصل إلى إصبعك، وكن شجاعاً، اصبر لنرى كم تتحمل من نار هذا الثقاب! مهما كانت شجاعتُه، ومهما كانت بطولته، والله لا يستطيع أن يصبر على نار عود الثقاب، ولهذا يقول الله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:١٧٥] ما أصبرهم على عذاب الله، وقد كان بإمكانهم ألا يطئوا النار وألا يدخلوها، من يصبر على هذا العذاب؟! ومن يصبر أن يفوته النعيم الذي ذكره الله في الجنة؟!