للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع الهوى]

المعوق الثاني من معوقات الهداية: اتباع الهوى لا اتباع الشرع:- وذلك كما يقول أكثر الناس اليوم، عندما تعرض على أحدهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، يقول: صدقت، ولكن -يا شيخ- نفسي تقول لي كذا، وهواي يقول لي كذا.

فهذا عبد هواه ولم يعبد مولاه، وهذا لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:٢٣] أي: نفسه، وكيفه، ومزاجه، {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:٢٣] كيف يهديه الله وقد اتخذ إلهه هواه؟ فلما اتخذ إلهه هواه جاءت العقوبة عليه أن الله ختم على سمعه وعلى قلبه، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى الحق، ولا يرى طريق النور، ولا يسمع الحق ولا يفقهه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه.

قال الله: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٣] فيجب عليك أن تخضع لأمر مولاك، ولا تقل: أنا على كيفي، أو على مزاجي، لا.

لا كيف لك ولا مزاج ولا نفس، أنت على مراد ربك، أنت على شرع خالقك، أنت على هدي نبيك، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:٧]، ولو كان أمر الله عز وجل لا تقبله نفسُك الأمارة بالسوء بسرعة أقصرها، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠] فإذا قالت نفسك: اسمع الأغاني، فقل لها: لا.

أو قالت نفسك: انظر إلى النساء، فقل: لا.

أو قالت نفسك: احلق لحيتك، فقل: لا.

أو قالت نفسك: اسحب ثيابك، فقل: لا.

أو قالت نفسك: اترك الصلاة، فقل: لا.

أو قالت نفسك: عق والديك، فقل: لا.

لماذا؟ لأنك تسير وفق شرع ربك وخالقك، هذا هو المؤمن.

أما أن تسمع أمر الله وتصر على المعاصي، فهذا ما لا ينبغي، كأن تعرف أن الغناء حرام، وتقول لمن ينصحك بتركه: والله صدقت، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع، نفسي والله تحب الغناء، أحب الطرب.

فهذا الذي يحب الطرب سوف يندم على الطرب يوم القيامة.

دخلتُ في سوق من الأسواق في أيام العيد أشتري سلعة، وإذا بصاحب الدكان ينظر إلى جهاز التلفزيون وفيه مطرب -مغنٍ-، وهو يعزف بألحان، والرجل فاغرٌ فاه ينظر إليه، فسألتُه: بكم هذا؟ ما سمعَني، قلت: يا هذا، يا أخي تكلم! ماذا وراءك؟ قال: يا شيخ! ما رأيتَ؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: المطرب العظيم هذا، أما تعرفه؟ قلت: لا والله لا أعرفه، نسأل الله أن يجعلني لا أعرفه، معرفة هذا وأشكاله خسارة، لا أعرفه، قال: (أوه!) فاتك نصف عمرك، قلت: وأنت فاتك كل عمرك، كيف فاتني نصف عمري؟! قال: هذا المطرب العظيم الذي كذا وكذا.

وجعل يشيد به، قلت: وماذا في المطرب؟ ماذا يفعل؟ هل اخترع شيئاً؟ قال: لا.

بل مطرب، يجعل الناس يلحنون ويغنون، قلت: حسناً، إذا مات هل ينفعه الطرب عند الله؟ أجاب مباشرة بنفسه، وقال: لا.

قلت: إذاً: ماذا يفعل بهذا الطرب؟! قال: والله لا يحبه الله، قلت: الإنسان خُلق في الدنيا لكي يطرب ويغني فيدخل النار؟! إذا لم يكن في هذه الحياة خير ينفعني في الآخرة فما قيمة حياتي؟! يقول الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:٢٣] أي: لم تعد تنفعه الذكرى، فماذا يقول؟! {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤] أين هي حياته؟ أهي هذه التي نحن فيها؟ لا.

هذه ليست حياته {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤] أي: للآخرة، التي فيها الحياة الطويلة، قلت: هذا المطرب لن ينفعه شيء من الطرب في الآخرة، قال: نعم.

والله لن ينفعه، قلت: وما رأيك في الجماهير الذين يحبونه؟! أيحشرون معه يوم القيامة؟! قال: والله معه، قلت: أوينفعهم هذا؟ قال: لا ينفعهم، قلت: وأنت ما موقفك؟ تبرأْ منه الآن حتى لا تكون معه في الآخرة، أما إذا كان هو يطرب وأنت تشجع، فجمهوره في النار، كما جاء في حديث ابن ماجة عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المغنين يُبعثون يوم القيامة عرايا، لا يستترون بِهَدَبَة، لهم عواء كعواء الكلاب في النار) الصياح الذي كان يصيحه في الدنيا يتحول من صياح إلى شكل آخر، صياح والنار تصلاه، والعذاب يناله في كل جزء من جسمه، يصيح صياحاً يؤذي أهل النار، لا حول ولا قوة إلا بالله.

فانتبه لا تتبع الهوى، واتبع الشرع، فعليك أن تتبع دين الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠] أي: لا أحد أضل ممن اتبع هواه، أي: لا يهديه الله، ألستَ تريد الهداية؟ ستقول: نعم.

سنقول لك: إذاً الهداية في اتباع الشرع، لا تتبع الهوى، لا تقل: أنا على كيفي وعلى هواي وعلى مزاجي ومع نفسي، لا.

بل كن على كيف ربك، على هوى ودين شرع ربك، أما هواك فلا {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:٣٠]، لماذا؟ قال: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:٣٠] عندما اتخذ الشيطان ولياً من دون الله صرفه الله عز وجل عن الهداية، وحقت عليه الضلالة، {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:٣٠] والعياذ بالله.

هذا المعوق الثاني، وهو اتباع الهوى، وعدم اتباع الشرع.

نريد أن نضبط هذه المعوقات واحدة تلو الأخرى، نريد أن تكون هذه المجالس مجالس عمل مجالس منهج، لا نريد كلاماً ثم نخرج وكفى، لا.

بل من هذا المجلس تقرر مصيرك، من هذا المجلس تحدد اتجاهك إلى الله، تغير واقعك رأساً على عقب، تغير كل شيء في حياتك؛ لأنك اهتديت إلى الله.

أولاً: الزميل السيئ، ارفضه.

ثانياً: الهوى المتَّبع، ارفُضْه، فماذا تتبع إذاً؟ تتبع الشرع.

فما هو الهوى؟ الهوى: ما تَرِد عليك من خواطر، ومن أفكار، ومن رغبات، ومن شبهات، ومن شهوات، هذا هو الهوى.