للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة الحقيقية الكريمة هي في الإيمان بالله]

إذا عرفنا هذا -أيها الإخوة- استطعنا أن نجيب على السؤال الأول: هل الإيمان ضروري للإنسان حتى يعيش حياة سعيدة، أم أنه يمكن أن يعيش بغير إيمان؟

و

الجواب

إنه لا يمكن للإنسان أن يعيش حياة الإنسانية المكرمة، حياة السعادة والرقي والأمن إلا في ظل الإيمان بالله، ويوم أن يتجرد من الإيمان يعيش حياة البهيمية والعذاب والشقاء، يقول الله عز وجل في هذا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] ولو كنت مهما كنت، والله لو امتطيت أحدث الموديلات، وملكت ملايين الريالات، وتزوجت بأجمل الزوجات، وسكنت بأرفع العمارات، وكنت في أعلى المناصب والرتب لكن لا يوجد دين! {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤] هذا في الدنيا، وإذا مات قال: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:١٢٤ - ١٢٥] يحشره الله يوم القيامة أعمى البصر وأعمى البصيرة، في الدنيا كان أعمى البصيرة دون البصر، فلم ينظر ببصيرته في دين الله، فحشره الله أعمى البصر والبصيرة، وأمره أن يسير على الصراط: {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٥ - ١٢٦] الجزاء من جنس العمل، من نسي الله نسيه الله هناك، ومن تعامى عن الدين هنا أعمى الله بصيرته هناك: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٧].

ويقول الله عز وجل في أهل الإيمان الذين قذف الله في قلوبهم الإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] لم يقل: ألا بالمال تطمئن القلوب! صحيح في المال تنتفخ جيوبك.

ولم يقل: بذكر الله تطمئن البطون، بالطعام تطمئن البطون وتنتفخ، لكن لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله فقط، بالزواج تطمئن الفروج، بالمناصب تطمئن الدنيا ويرتفع القدر في الدنيا، لكن بماذا القلب يطمئن قلبك؟ تدخله برتقالة خاصة؟ أو تنومه في غرفة نوم وحده؟ أو تركبه في سيارة؟ لا يوجد طعام له إلا ذكر الله ودين الله والإيمان بالله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] وإذا ما اطمأن قلبك فكيف تكون حياتك؟ هب أنك تمتعت بكل متاع الدنيا لكن قلبك ليس مطمئناً، هل هذا متاع؟ هب أنه فاتك كل شيء في الدنيا وقلبك ساكن ومطمئن، فهذا هو المتاع، العالم الآن في ظل المادة وفي البعد عن الدين، حصل ضغط قوي من الحياة المادية على النفس البشرية حتى فجرتها من الداخل، وتمزقت وتوزعت وتخلص الناس من الحياة بالانتحار، الآن آلاف البشر في أوروبا يموتون انتحاراً، والذي ما انتحر ينتحر بالمخدرات، لماذا الناس يتعاطون المخدرات هناك؟ هروباً من الواقع المرير الذي يعيشون فيه، إذا كنت في مكان طيب فلماذا تهرب منه؟ لا يهرب الشخص من مكان إلا وهو سيئ، وهم يهربون من حياتهم البعيدة عن الإيمان إلى حياة يغيبون فيها عقولهم بالخمور والمخدرات والألعاب والسيرك والسحر والتمثيليات والمسلسلات والأفلام، لماذا؟ يريد أن يغيب وقته بسرعة، يريد أن تمر عليه الأزمنة والأوقات حتى يخلص ما فيه من العذاب الداخلي، لأنه ما وجد الإيمان، لكن المؤمن اطمأن قلبه بذكر الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] ويوم أن يسكن قلبك إلى ذكر الله، وتطمئن نفسك إلى دين الله يحصل لك الأمن والأمان والراحة والاطمئنان، ويحصل لك أيضاً الفرح بما أمامك من المستقبل الذي ينتظرك، فإن نتائج الإيمان والدين تحصل للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، من الناس من يتصور أن آثار الدين فقط في الآخرة، أنا ألتزم من أجل الجنة، وينسى أن آثار الدين تأتي في الدنيا قبل الآخرة، في الدنيا الأمن والطمأنينة والراحة وهدوء البال، وفي الآخرة الجنة.