للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان أعظم نعمة امتن الله بها على رسوله وعلى عباده]

الإيمان نعمة امتن الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وامتن الله بها على الأمة إلى يوم القيامة، يقول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:١ - ٢] أي: يتم دينه وإيمانه عليك.

ويقول عز وجل: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١٠ - ١١] أي: بدين الله وامتن الله بهذه النعمة على الصحابة، فقال في آخر ما نزل في حجة الوداع ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقفٌ بـ عرفة يقول الله له: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣].

ما هي النعمة التي أتمها الله على الصحابة في عهدهم؟ هل هي النعمة التي نتصورها الآن؟! لقد انقلبت مفاهيم أكثر الناس، فظنوا أن النعم هي النعم البهيمية، ملء البطون وانتفاخ الجيوب، وشهوات الفروج وعمارات وسيارات، هذه نعم يعطيها الله للكافر ويعطيها الله للمسلم.

لكن النعمة الحقيقة التي أرادها الله، والتي ينعم بها الله على من أحب به من عباده، هي نعمة الإيمان والدين، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:٦٩ - ٧٠].

أي: هذه النعمة من الله، نعمة الطاعة من يطع الله والرسول هو الذي أنعم الله عليه، أما شخص شبع من الملايين لكنه عاصٍ، لا يأتي إلى المسجد، هل هذا مُنعم عليه؟! لا.

والله! هذا معاقب عقوبة ليس بعدها عقوبة؛ لأنه حرم من نعمة الصلاة، حرم من نعمة الهداية، حرم من نعمة القرآن، وعنده مال! المال مع اليهود ومع الكفار! عنده عمارة! العمارات مع الكفار، عنده سيارة! السيارات مع الكفار؛ أجل النعمة التي يختص الله بها من يشاء: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:١٠٥] ما هي؟ الدين.

فإذا أعطاك الله الإيمان وجعل قلبك حياً، وجعل لك نوراً في قلبك، فهذه هي النعمة التي اختصك الله بها.

يقول الله عز وجل فيها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:٨].

فضلاً من الله ونعمةً أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، لذا كل شيء بغير الإيمان ليس بجيد، يحبب الله إليك الصلاة فلا تعيش إلا بها، يحبب الله إليك القرآن؛ فلا تستأنس إلا بتلاوة كتاب الله، يحبب الله إليك العلماء والدعاة والمساجد والحج والعمرة والصيام، وتفرح بكل عمل ٍيحبه الله ويرضاه، وأيضاً يزينه في قلبك، ويكره إليك المعاصي! أكره شيء عندك أن تعصي الله، إذا رأيت امرأةً متبرجةً فإنك تغض بصرك، إذا سمعت أغنيةً فكأنما دخلت رصاصة في أذنك، إذا عُرض عليك ريال من حرام تضطرب ولا تقدر أن تأكل، لماذا؟ لأن الله كرّه إليك الكفر والفسوق والعصيان: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:٨] هذه هي النعمة الحقيقية؛ لأن من الناس من انقلبت موازينهم؛ فحبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وكره إليهم الإيمان، أكره شيء عنده عندما يسمع الله أكبر، أو أن يرى داعيةً إلى الله، أو أن يقال له: قم إلى طاعة الله، لكن يحب كل شيء غير الله، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥].

إذا ذكرت المباريات والحفلات والطار والطبل والزير، تذكر السهرات، مثل الخيط ينقطع عليها، لكن إذا ذكرت الندوات ذكر العلم وذكر الدعاء، ذكر الصلوات آه اشمأز قلبه! لماذا؟ لم يكن مؤمناً بالله، لم يرُزق نعمة الإيمان، حُرم من نعمة الإيمان، أجل! يا أخي في الله النعمة الكبرى التي تستطيع أن تسعد بها في الدنيا والآخرة، هي نعمة الإيمان والدين.