للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان يضبط السلوك والأفعال]

من آثار نعمة الإيمان أن الإيمان يضبط سلوك المكلف، المكلف بغير دين وبغير إيمان، لا يدري أين يتجه، ولكن بالدين والإيمان تراه، متجهاً اتجاهاً واحداً، ولذا كل أمرٍ يُسخط الله يمتنع عنه، كل أمرٍ يرضي الله يسير فيه، يُعرض عليه.

الزنا يقول: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، يُدعى إلى ممارسة أي شيءٍ من المحرمات؛ فيقول: لا، يستثار إلى القتل فلا يقتل، يستثار إلى السرقة فلا يسرق، ولذا يعيش آمناً منضبطاً، من بيته إلى عمله إلى مسجده إلى مصالحه، ولا يقع في جريمة ولا يقع في مشكلة، فيعيش آمناً مطمئناً، ولو جئنا إلى أصحاب السجون، الذين ينتظرون الأحكام الشرعية، وسألنا كل واحد منهم عن قضاياهم، لوجدنا أن الشيطان هو الذي أوقعهم في هذه المشاكل.

تأتي إلى السارق فتقول له: لماذا سرقت؟ فيقول: الشيطان، وأنت ما هي قضيتك؟ قال: أنا قاتل، منتظر للسيف كل جمعة! لماذا تقتل؟ قال: الشيطان، وأنت؟ قال: أنا روجت أو هربت المخدرات لماذا تهربها؟ قال: الشيطان، تسلط عليهم الشيطان، عندما تركوا الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:٩٩ - ١٠٠].

فإذا أصبح عندك إيمان فقد أصبح عندك حصانة ووقاية، يأتيك الشيطان يوسوس لك في أمر تقول: لا، معاذ الله، يعرض عليك جريمة، تقول: معاذ الله، فتعيش آمناً لا تدخل سجناً ولا يقام عليك حد، ولا تقف في موقف شر، لماذا؟ لأن الله عز وجل حفظك.

الآن هناك بشر في هذا اليوم، أنتم الآن ستخرجون من هذه الجمعة بإذن الله، وتذهبون إلى بيوتكم، وتتناولون الغداء مع أزواجكم ومع أولادكم، وليس في قلوبكم إلا الأمن والطمأنينة، فاحمدوا الله على هذه النعمة.

لكن من الناس الآن من ينتظر أن يُدعى ويقال له: اكتب وصيتك واغتسل آخر غسله في الحياة، ماذا فيه؟! قالوا: اليوم إعدامك، وتسمعون كل يوم جمعة بعد الساعة الثانية والنصف الأخبار بيانات من وزارة الداخلية عن تنفيذ أحكام الله في المجرمين.

وهذه من نعم الله علينا في هذه البلاد، علينا أن نشكر الله على هذه النعم يا إخواني، فإن إقامة الحدود في الأرض تطهيرٌ لها، والله الذي لا إله إلا هو لو لم تُطبق شريعة الله في هذه الأرض لأكل الناس بعضهم بعضاً، ولكن نشعر بالأمن، تنام قرير العين بابك مفتوح وسيارتك مفتوحة، وتمشي السيارة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، محملة بمئات الآلاف ليس فيها إلا السائق وحده لا يخاف على شيء، لماذا؟ طبقت شريعة الله، وقف كل إنسانٍ عند حده، فلنحمد الله على هذه النعم أيها الإخوة! ولنحمد الله على نعمة الستر أنك مستور، هل تعرف مقدار المعاناة التي يعاني منها ذلك الذي يخرج للقتل؟! لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة من شرائح نفسه، ونحللها أي حالٍ حالته أيها الإخوان؟! وهو يرى العساكر مصطفين حوله، ويرى السياف وهو منتظر من أجل يقطع رقبته بالسيف أو بالبندقية تنفض ظهره وتخرج كبده أمامه! كيف حالته أيها الإخوان؟! حالة ما بعدها حالة، نعوذ بالله وإياكم أن نقف مثل هذه الحالات، ما الذي أوقعه في هذه الورطة، نزغة شيطان، نزغة شيطان بينه وبين أخيه المسلم يتضاربان ويتقاتلان على كلمة، ويقتل بعضهم بعضاً على متر من الأرض، ويقتل بعضهم بعضاً على مبلغ من المال، لكن لو كان عندك إيمان ودين فلا تستطيع أن تقتل، لماذا؟ لأنك تعرف ما بعد القتل.

كابني آدم قابيل وهابيل في القرآن قص الله قصتهما علينا، وهو أنهما قربا قرباناً أي: قدما شيئاً لله، فتقبل الله من أحدهما، ولم يتقبل من الآخر؛ لأن الله يعرف من المخلص منهما، فهذا الذي رفض قربانه قال لأخيه الذي قبل قربانه: لأقتلنك، قال: إنما يتقبل الله من المتقين، لماذا تقتلني، أنا وأنت تقدمنا بقربة لله والله قبل مني ولم يقبل منك، ماذا أفعل لك إذا كان الله لم يقبل منك، قال: لأقتلنك، قال: إنما يتقبل الله من المتقين، قال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:٢٨] يقول: إذا أنت تريد أن تقتلني فأنا والله ما أقتلك لماذا؟ قال العلماء: كان أقوى وأقدر على الانتقام والبطش؛ لكن منعه خوف الله، قال: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة:٢٨ - ٢٩] وبعد ذلك قال: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:٣٠] والعياذ بالله.

فيا أخي المسلم! نعمةٌ عليك من الله أن تعيش آمناً، لا تعرف السجون، ولا تعرف القضايا، لماذا؟ لأنك تمضي على الطريق المستقيم، كلما دعاك شخص إلى جريمة أو خطيئة تقول: لا، لا أسير إلا في طريق الحق.

أحد الناس أعرف قصته، كان نائماً في بيته وقد خلع ملابسه ولبس ثياب النوم، واستسلم للنوم ويأتيه زميل له ويناديه من عند الباب، فتستجيب الأم، تقول: من؟ قال: أنا فلان، من فلان؟ قال: زميل فلان، زميل ولدها أريده، قالت: قد نام، قال: أيقظيه، قالت: يا ولدي قد نام الساعة الثانية عشرة من الليل ماذا تريد منه الآن؟ قال: أريده أيقظيه الأمر مهم، فمسكينة ذهبت وأيقظت ولدها وليتها ما أيقظته، قالت لولدها: فلان يريدك، هو بمجرد أن سمع كلمة فلان قفز مثل الحصان، أما لو أنها أنهضته للصلاة لا ينهض، أو انهضته ليجيب والده فإنه لا ينهض، أو أنهضته لأي غرض فإنه لا ينهض.

لكن عندما إذا أيقظته لزميله آه فإنه يقوم، فقام واقتحم ونزل عليه، فقال له زميله عند الباب: أريدك تأتي معي، قال له: أين؟! قال: عندي موعد لدي صيد -يصطادون أعراض المسلمين- وأريد أن تأتي معي تحميني، قال له: أبشر.

ثم رجع وخلع ثوب النوم، ولبس ثوبه وأخذ مسدسه في جيبه، ومشى معه إلى عند البيت الذي يصطادون فيه أعراض المسلمين، ثم قال له: اجلس هنا؛ أجلسه عند شجرة ودخل هذا الخبيث واقتحم البيت، قفز من على السور ونزل على المرأة التي قد واعدها، ولما دخل أحس به صاحب البيت، وعرف أن شخصاً دخل بيته، فأخذ مشعابه وفتح الباب، فلما سمع هذا فتح الباب وهرب، وصاحب البيت خرج من الباب واتجه جهة الذي يحميه، فرآه فلما رآه طرده ظناً منه أنه هو الذي دخل البيت، وذلك قد هرب.

فلحقه ولما أدركه وضربه بالعصا، أخرج الولد هذا الذي كان قد نام في فراشه المسدس وقتل صاحب البيت، وعندها قبض عليه ولما جاءوا به إلى السجن حققوا معه؛ اعترف قال: أنا القاتل: قالوا: لماذا قتلت؟ قال: أنا كنت نائماً، وكانوا قد جاءوا بالذي دعاه، قال: أبداً لم أدعه ولا أعرفه ولا يعرفني، قال: كيف ما دعوتني؟! قال: أبداً أنا عندي الشهود والثبوت أنني في الليلة الفلانية من أولها إلى آخرها كنت في القرية الفلانية، وأتى بشهود يشهدون لله عن خلق الله، أنه موجود طوال الليل في القرية الفلانية، وجلس أياماً وليالي وأخرجوه، وهذا جلس في السجون سنوات ثم أخرجوه وقطعوا رقبته، لماذا؟ ما الذي أخرجه؟ لو أنه يخاف الله؟ لو كان عنده إيمان ودين ودعاه صاحب السوء، وقال له: أنا ذاهب إلى الحرام، لقال له: اتقِ الله يا عدو الله! تغزو على بيوت المسلمين، تصطاد محارم الله، ورجع إلى فراشه، لكن جره إلى الشر لأنه خبيث، وليس عنده إيمانٌ بالله عز وجل.

فالإيمان يا عباد الله حصن لك أيها الإنسان! وحماية لك، يحميك من الشر، ويحميك من الزلل، هذه آثار نعمة الإيمان في الدنيا قبل الآخرة.