للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقوى]

التقوى يعني: المراقبة لله، يعني: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية من الخوف منه والمراقبة له، بأن تتصور أنك تحت الرصد الرباني وتحت النظارة الإلهية، وأن تعلم أن الله عز وجل مطلع عليك لا يخفى عليه من أمرك خافية؛ لأن الله يقول: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:٣٢] ويقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:٧] فالله معك، يعلم السر وأخفى، يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا علمت بهذا الرصد وهذه المراقبة من الله عز وجل حملك هذا على الخوف منه، هذا معنى المراقبة، أن تعمر باطنك من الداخل بالتقوى والمراقبة، أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أمره وترك نهيه وبمراقبته عز وجل، حتى ولو خلت عنك أعين الرقباء:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

إذا حان هذا وحصلت في قلبك المراقبة والشعور بأن الله مطلع عليك فتح الله بصيرتك.

أما إذا جعلت الله آخر من تخاف منه، يعني: كثير من الناس عنده مراقبة لأشياء لكن لا يراقب الله، يراقب الناس، يخاف من الناس، يستحي من الناس، فإذا لم يجد الناس ولم يخف من الناس ولم يراقب الناس ولم يبق إلا الله لم يخف من الله، وجرأ على الله، واعتدى على حرمات الله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:١٠٨] {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:١٣] لا بد أن تكون المراقبة في قلبك أهم من كل مراقبة؛ لأنك إذا أحسست بهذا الشعور فإن قلبك يكون حياً باستمرار وبالتالي تبقى بصيرتك نافذة.