للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة محاسبة النفس على التقصير في وجوه البر والطاعات]

حاسب نفسك على برك لوالديك: هل أمك وأبوك أحياء؟! لاحظ أن والديك عندهما التحويلة إلى الجنة، أقرب طريق إلى الجنة من عند أمك وأبيك، اغتنم فرصة وجودهما، لو مات أبوك أو أمك وهما غضبانان عليك، فإنك تتعذب طوال حياتك، هل تعيدهما من القبور لكي تبرهما؟! هل تبدلهما في المعرض لكي تأخذ أباً أو أماً جديدة فتبرهما أو أحدهما، ليس معك إلا أبوك، وليس معك إلا أمك، فاغتنم فرصة وجودهما في حياتك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: أنه عليه الصلاة والسلام قال: (رَغِم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة) هذا خاسر لا خير فيه.

صحِّح وضعَك مع والديك، فإنهما جنتك ونارك، وبر الوالدين من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم الكبائر، والله قرن طاعته بطاعتهما فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:١٤].

وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣].

وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:٣٦].

وفي الحديث الصحيح في صحيح البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين).

ومن عقوبات عقوق الوالدين: أن الله يسلط على العاق ولداً يعقه أعظم مما عَقَّ أباه، وكما تدين تدان، فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عق والديه عقه أولادُه، وكما تكيل يكال لك.

حاسب نفسك مع الوالدين، وارجع من الآن، وحاذر ثم حاذر أن تردَّ على أبيك أو أمك! فمن أعظم ما يُغْضِب الوالد والوالدة أن ترد عليهما، بل إذا قالا شيئاً قل: حاضر، ثم إذا قلتَ: حاضر، لا تقل: حاضر بصوت مرتفع، لا.

بل بصوت منخفض، وألبس صوتك بسمة؛ لأن هذا أبوك، والله يقول: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء:٢٣] ماذا؟! {أُفٍّ} [الإسراء:٢٣] ما هو الأف؟! الأف ليس بكلام، الأُفُّ مظهرُ التضجُّر، أي: إذا قال لك أبوك شيئاً فلا تقل: أُفّ؛ لأن (أف) هذه حرام، كيف يتكلم على أبيه؟! لا إله إلا الله! أحدهم يخبرني بقصة لعامل في منجرة، تكلم على أبيه، فترك المنجرة ودخل على أبيه ليفطر، فقال لأبيه: كذا وكذا.

فتكلم معه أبوه بلطف، وأبوه شائب، وهذا عضلاته مفتولة؛ لأنه عامل يأخذ الأخشاب، ويشتغل في منجرة.

فقام يتكلم على أبيه، ويمد يده إلى عين أبيه، ويقول: أصلك أنت أنت! حتى كاد أن يفقأ عين أبيه، وأبوه يشير يشير إليه خائفاً منه، ماذا يفعل به؟! فيخرج من عنده ويدخل إلى المنجرة، ويأتي بلوح الخشب وهو مغضب، ويسيره على المنشار، فيقطع الله إصبعه.

لماذا؟ لأنها إصبع خبيثة كادت أن تخرج عين الوالد.

فلا تعق والديك، حاسب نفسك على هذا، وصحح الوضع، فأبوك يريد أن تكون قريباً منه ويرجع صالحه لك، فهو يحبك، ويدعو لك، ودعوة أبيك وأمك لك أعظم من الدنيا وما عليها، يوم أن تمشي وأبوك وأمك راضون عنك، وإذا سُئل أحدهما عنك، قال: الله يوفقه، الله ييسر أمره، الله يجعل له من أمره يسراً.

لكن يوم أن يُسأل أبوك عنك، وإذا بك عاق، قال: الله يجعلها نكداً عليه، الله لا يوفقه.

الله أكبر! ما أعظم من هذه يا أخي! فلا تبحث عن حتفك بنفسك.

حاسب نفسك على صلة أرحامك: هل لك أرحام؛ عمات، وخالات، وجدات، وأخوات؟ هؤلاء عليك أن تحاسب نفسك عليهن، هل أنت تصلهن أم قاطع لهن؟ مَن وَصَلهن وَصَله الله ومَن قطعهن قطعه الله، إن قاطع الرحم لا تنزل عليه الرحمة، ولا تنزل على قوم يجلسون معه، قاطع الرحم ملعون بنص الكتاب، يقول الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢] * {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٣].

حاسب نفسك على تلاوة القرآن الكريم: فهذا من رأس مالك.

كم تقرأ في كل يومٍ قرآناً؟! كيف أنت مع القرآن؟! كيف هي علاقتك مع القرآن؟! قوية أم واهية وضعيفة؟! هل القرآن معك في كل وقت وفي كل حين؟! أم أنه مهجور من حياتك؟! صحح وضعك! إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في نفسك، فإن كنت تحب القرآن، فاعلم أن الله يحبك، وإن كنت تألف القرآن، فاعلم أن الله يألفك، وإن كنت تداوم وتعيش مع القرآن، فاعلم أن الله معك ما دمتَ مع كتاب الله عز وجل، أما أن تهجر القرآن ولا تقرأه إلا على ما يناسبك ويناسب ظروفك فلا.

بل يجب أن تخصص لك ورداً معيناً من القرآن لا يقل عن جزء؛ هذا أقل شيء، والذي يختم في أكثر من شهر هاجرٌ لكتاب الله، والله يخبر أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشتكي هؤلاء يوم القيامة فيقول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:٣٠].

والله قد أمرنا بتلاوة القرآن فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:٤].

وقال: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:٣٢].

ويقول النبي عليه السلام: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).

يأتي يوم القيامة ويقال لقارئ القرآن: (اقرأ ورتل واصعد في درج الجنة، فمنزلتك عند آخر آية تحفظها) هذا شرف كبير لك يا أخي المسلم.

اعرف نفسك وحاسبها على الأذكار؛ أذكار الصباح والمساء:- هل تذكر الله في الصباح؟! أم تبكِّر إلى الدوام من دون ذكر، والله قد أمرك {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:٤١]؟! لا بد من أذكار الصباح؛ لأنها حفظ وحرز وحصن، ولا بد من أذكار المساء.

وأذكار الصباح قبل شروق الشمس، وأذكار المساء قبل غروب الشمس.

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:١٣٠].

لا بد أن تذكر الله وتحصن نفسك بالآيات والأذكار التي شُرِعت، ودل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في كتب الأذكار، لا بد أن تكتبها في ورق وتتحفَّظها، وتداوم عليها في ورقة إلى أن تحفظها، وبعد شهرين لن تعد تحتاج إلى كتاب؛ لأنك داومت عليها أكثر من مرة فحفظتها.

ثم تعلم أذكار الأحوال والمناسبات: أذكار الطعام، الشراب، النكاح، دخول الحمام، الخروج من الحمام، رؤية باكورة الثمار، رؤية القمر، لبس الثوب، رؤيتك للمرآة.

هذه الأذكار كلها يجب أن تكون عالماً بها؛ لتكون مع الله في كل حين وفي كل وقت.

حاسب نفسك على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: هل تغضب لله إذا رأيت منكراً؟! أم أنك بارد الإحساس متجمد؟ لا بد أن تنكر، والإنكار بإحدى المراتب الثلاث: بالتغيير باليد: إذا كنتَ من أهل السلطة.

أو باللسان: إذا كنتَ من أهل العلم، وعندك علم، وتريد أن تبينه للناس.

أو بالقلب: إذا كنت عادياً، ولا تقدر أن تغير بلسانك ولا بيدك، فتغير بقلبك، وتنكر المنكر وتبغضه، وتقاطعه، ولا تجلس في مجلس هو فيه، وذلك أضعف الإيمان، وليس من الإيمان بعد ذلك مثقال حبة خردل من إيمان، فالذي يعايش المنكر ويجلس مع أهله ويستريح معهم، فهذا منكر هو بنفسه، هذا مشارك للذي عمل المنكر؛ لكن إذا أتيت إلى مجلس ولم تستطع أن تغير بيدك، ولا بلسانك، ولم تستطع إلا بقلبك فذلك أضعف الإيمان، ويريد منك قلبُك مغادرة المنكر، فتخرج، أما أن تقعد وتقول: أنا سأغير بقلبي فلا يصلح.

لا تغير بقلبك وأنت جالس.

حاسب نفسك على الدعوة إلى الله: ما نصيبك من الدعوة إلى الله؟! هل لك دور؟! مَن تنتظر أن يقوم بدورك في الدعوة؟! الدعوة رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، مات وخلَّف رسالته هذه على أمته، فلم يعد هناك نبي جديد، ليس إلا أنا وأنت؛ فلا بد أن ندعو إلى الله.

هل تقوم بالدعوة؟! والدعوة بحسب طاقتك طبعاً: - دعوتك لنفسك دعوة، وكثَّر الله خيرك يوم أن تقوم بنفسك.

- دعوتك لزوجتك دعوة، مَن يعينك على امرأتك، ويدق عليها الباب، ويعلمها الدين إذا لم تعلِّمها أنت؟! - دعوتك لأمك، وأبيك، وإخوانك، وأخواتك دعوة.

- دعوتك في مكتبك، وزملائك في العمل دعوة.

- دعوتك في حيك، وجيرانك، ومسجدك دعوة.

ليس بالضروري أن تكون خطيباً، أو أن تكون عالماً كبيراً؛ لكن إذا علمتَ شيئاً من دين الله فبلغه: (بلغوا عني ولو آية) بلِّغ عن الرسول ولو حديثاً، احمل هموم الداعية، احمل هموم الإسلام، افرح للدين، اغضب للدين، أحب في الله، أبغض في الله.

هذه اسمها: حساب رأس المال، وهو الباب الأول.