للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصلاة وصية الله لعيسى ابن مريم]

هذا عيسى عليه السلام يذكر الله عز وجل عنه حينما جاءت به مريم تحمله، وقد حملت به من غير أب، ولله عز وجل أن يخلق ما يشاء؛ لأنه على كل شيء قدير.

خلق الناس على أربعة أصناف: الصنف الأول: من غير أم ولا أب وهو آدم، قال الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:٥٩] فالله يخلق ما يشاء ويختار، فخلق آدم حيث قبض قبضةً من التراب، ونفخ فيه من روحه من غير أم ولا أب لا حمل في بطن ولا خرج من صلب، وإنما الله عز وجل قبضه من التراب وخلقه ثم نفخ فيه من الروح وصار بشراً سوياً.

الصنف الثاني: من أب بلا أم، وهي حواء خلقها الله من ضلع آدم الأيسر؛ ولهذا المرأة خلقت من ضلع أعوج وما في الدنيا امرأة مستقيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته -وكسره طلاقها- وإن استمتعت به استمتعت به على عوج) الذي يريد امرأة مستقيمة ما فيها عوج في الجنة، ولهذا أعوج ما في المرأة أعلاها أي: لسانها: (فاستمتعوا بهن على عوجهن) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا صنف خلقه الله عز وجل من أبٍ بلا أم وهي حواء.

الصنف الثالث: خلقه الله من أم بلا أب وهو عيسى عليه السلام، بعث الله جبريل فنفخ في جيب درعها وبعدها حملت لما جاءها الملك قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:١٨ - ٢٣] لأنها من بيت الطهر والعفاف، من بيت المروءة والشرف، من بيت العزة والطهارة والنقاء.

فتقول: ليتني مت قبل هذا اليوم {وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} [مريم:٢٣ - ٢٤] لكي يطمئنها أن القضية بأمر الله ليس فيها عيب أبداً، ولا فيها مخالفة ولكنها سنة الله الجارية {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:٢٤ - ٢٦]، وكان صومهم الإمساك عن الكلام والطعام والشراب والنكاح، كان الذي يتكلم بكلمة يفطر ويقضي ذلك اليوم.

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم:٢٧] فلما رأوه معها وهم يعرفونها أنها طاهرة، {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [مريم:٢٧] من أين جاء هذا؟ لقد جئت شيئاً عظيماً، جئت بمصيبة كبيرة، كيف هذا؟!! {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:٢٧ - ٢٨] دعوها وذكروها بنسبها وأخيها العابد الذي كان عابداً في بيت المقدس {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:٢٨] يقولون: هذا ليس عملك أنت، كيف فعلت هذا؟ وهذا يتعارض مع الطهر والعفاف ومع النقاء والفضائل التي كنت تعيشين عليها في بيتك مع أمك وأبيك ومع أخيك هارون، {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:٢٨ - ٢٩] بدون كلام {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:٢٩].

فترك الثدي وكان يرضع من ثديها وتكلم وقال لهم: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:٣٠] وفي هذه الكلمة يقول العلماء: إن فيها نسفاً لعقيدة النصارى، الآن في العالم أكثر من (ألف مليون) نصراني يعتقدون أن عيسى ابن الله ولكنه يقول هو: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:٣٠] وهو أعرف الناس بنفسه، فكذبوا، والله يقول: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم:٣٥] فهنا قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ} [مريم:٣٠ - ٣١].

هذه وصية الله لعيسى عليه السلام وهي الشاهد من الحديث: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:٣١ - ٣٦].

الصنف الرابع: وهو من خلقوا من أم وأب وهم سائر البشرية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات:١٣]