للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فرح الله بتوبة عبده]

والله تبارك وتعالى يفرح بتوبة العبد، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لله أفرح بتوبة عبده من رجلٍ كان في فلاة ومعه راحلته وعليها زاده وطعامه، فضلت عنه -أي: ضاعت- فبحث عنها فلم يجدها وعرف أنه ميت، فاستسلم للموت ونام تحت ظل شجرة يائساً منها، فردها الله عليه، فاستيقظ فإذا بها واقفة على رأسه وعليها طعامه وزاده فأخطأ من شدة الفرح فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فأخطأ! ما ظنكم في فرحة هذا الإنسان، هل في الدنيا أفرح منه؟! شخص حكم عليه بالهلاك، ثم أعيدت له الحياة، كيف تكون فرحته؟! لا شك أنها فرحة عظيمة.

فالله عز وجل -وله المثل الأعلى- أفرح بتوبة العبد من فرحة هذا الرجل برجوع ناقته، رغم أن الله عز وجل لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين، وإنما هو الضار النافع.

يقول عز وجل في وصف المؤمنين التائبين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:١٣٥] أي: ذكروا عظمة الله، وما أعد الله عز وجل للعصاة وأهل الفواحش والكبائر: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] ما هو جزاؤهم وقد فعلوا فاحشة كبيرة لكن استغفروا الله؟ قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٦] يقول المفسرون: ما أعظم رحمة الله! هؤلاء ماذا عملوا؟ عملوا معاصٍ -فواحش- لكن لما بدلوها بالاستغفار والتوبة أعطاهم الله الجنة وقال: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٦] حَسَبَ الله سيئاتهم من النعم، يعني: من العمل الذي يرضي الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنهم ختموها بالتوبة والاستغفار.

ولكن المصيبة -أيها الإخوة- والكارثة والتي ليس معها نجاة هي الإصرار على الإثم، والتمادي في المعصية والاستمرار فيها، وهو مظهر من مظاهر عدم معرفة الله وتوقيره، ومظهر من مظاهر الفراغ الداخلي من الإيمان، والموت القلبي من الدين للذي يرتكب الكبيرة ويصر عليها ويستمر ولا يشعر بأنه على ذنب، ولا يحاول أن يستغفر، ولهذا يقول الله في أهل النار: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:٤٥ - ٤٦] يعني: كانوا ملازمين للذنب ومستمرين في المعصية؛ ولهذا جزاؤهم النار والعياذ بالله!