للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المكفر السابع: حسن الخلق]

وهذا أمرٌ مكتسب، بإمكانك أن تكتسبه؛ لأن العلماء يقولون عن الأخلاق: (إن الأخلاق والطباع ليست طبيعة في الإنسان وإنما هي كسبية)، يعني: خلق الوفاء: بإمكانك أن تكون وفياً وبإمكانك أن تكون خائناً، خلق الصدق: بإمكانك أن تكون صادقاً وبإمكانك أن تكون كاذباً، خلق الكرم: بإمكانك أن تكون كريماً وبإمكانك أن تكون بخيلاً، خلق الشجاعة، والمروءة، والشهامة، والبر، والابتسامة، ونفع الناس هذه أخلاق كسبية تستطيع أن تعملها، وليس في الإسلام أعظم منها بالنسبة لغفران الذنوب، ومنها طبعاً السماحة، فعليك أن تكون سمحاً؛ لا تكن معقداً على كل شيء، وكذا البشاشة، سبحان الله العظيم! هذه أخلاق يرزقها الله بعض الناس، موظف أو مسئول يرزقه الله بهذا فيكسب ود الناس كلهم، يسلم عليه الناس كلهم (السلام عليكم) (وعليكم السلام، حياك الله، تفضل يا أخي!) ويقوم ويجلسه عنده، وبعد ذلك يعرض مشكلته فيحاول حلها له، أبشر حاضر إن شاء الله أعملها، ويقوم ويتصل ما رأيكم؟ هل هناك إمكانية؟ فإذا عجز قال: يا أخي! والله أتمنى أن أقضيها لك؛ لكن لم أستطع يا أخي! ما رأيكم في هذا المراجع يقول: جزاك الله خيراً قضيتها! قضى الله شأنك وحاجتك! والله جهدك هذا ومقابلتك هذه كأنك قضيت حاجتي كلها يوفقك الله.

هذه أخلاق، هل خسر هذا شيئاً؟ لا.

ما خسر أي شيء، بل كسب الدعاء، وكسب الحب في قلوب الناس.

وآخر، موظف مثله لكنه فقير في الأخلاق، ليس عنده ولا ربع قنطار ولا ربع ملي، ودخل عليه المراجع: السلام عليكم، يريد أن يسلم عليه أول شيء ينظر: إن كان يعرفه رد السلام وإن كان لا يعرفه قال: ماذا هناك؟ بدلاً من أن يقول: وعليكم السلام، قال: توجد معاملة، قال: أين الرقم؟ قال: ليس عندي رقم، قال: ماذا تريد أن أفعله لك؟ إنه لا يوجد لديك رقم، تريدني أن أبحث كل الدفاتر هذه؟! اذهب من هنا.

ماذا يقول المراجع المسكين؟ يذهب ويخرج من هناك وهو يقول: الله أكبر عليه، جعلها الله في وجهه، لا وفقه الله وجاء الثاني ودعا عليه، وجاء الثالث أتدرون أن هذه الدعوات لا تذهب؟ (أنتم شهداء الله في أرضه).

فلماذا لا تكسب الجميل يا أخي؟! الكرسي هذا ليس ملكك، كرسي دوار لم يأتك إلا وقد كان عند غيرك وسيذهب منك إلى غيرك، اكسب الجميل، خاصة إذا كنت في منصب بشرط: أن يكون هذا الجميل يتفق مع النظام، لا تخرق النظام، لا نقول: تخرق النظام، لكن النظام فيه فرص ومجالات، وإمكانات للمساعدة، فما دمت تجد إمكانية للمساعدة لأي مسلم فهذا من حسن الخلق، فإذا عجزت مرة وما استطعت أن تعمل شيئاً معه فأقل شيء بشاشة الوجه، يقولون: (لاقيني ولا تغديني).

يعني: لو لقيت شخصاً عند الباب قل: أهلاً تفضل، والله تدخل إن شاء الله تتغدى معي كأنك غديته، لكن لو لقيته وقلت: تفضل، امش! ثم أدخلته وغديته خروفاً، يقول: الله أكبر عليك مضيف! يضاربني! ما هذا؟! فلا -يا أخي- لا بد من الخلق، ولا بد من بشاشة الوجه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا تخسر؟ لماذا لا تضحك وتبتسم لأخيك؟ لن تخسر أي شيء في تبسمك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (طلاقة الوجه خير من القرى) و (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاك بوجه طلق) لأن الوجه هذا فأل؛ عندما تلقى الشخص ويبتسم لك ويقدم لك خدمة باللسان تنبسط، وتنشرح نفسك، لكن شخص يعبس بوجهك، تتكتم وتتعقد ويضيق قلبك، فلا -يا أخي- كن بهذا الخلق: بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا، والصفح عن الإساءة، لا تقعد تحاسب الناس على كل إساءة، اعف، شخص ضايقك في الطريق فيما بعد مر عليك وقال: آسف، قلت: مع السلامة، إذا ما قال: آسف قل: لا تهتم.

تفضل، شخص ضايقك وأخطأ عليك تجاوز عنه، لماذا؟ أنت صاحب خلق، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) هذا الحديث رواه البخاري.

المصافحة هذه درجة ثانية بعد السلام، الدرجات ثلاث: سلام، مصافحة، معانقة، فإذا سلمت هذا الواجب، صافحت عظيم، عانقت فهذه زيادة الحب، خاصة إذا كان بعد وقت طويل، ليس كل وقت كلما لقيته تعانقه، وتكسر رقبته، لا.

لكن بعد أسبوع رأيته عانقه؛ لأن هذا من الود، لكن إذا رأيته بعد شهر عندما جاء ترفع أصابعك قليلاً هذا من الجفاء، لكن عندما تقوم وتحرك يده وتعانقه، هذا مما يغفر لك الذنب بإذن الله عز وجل.

ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح أيضاً: (تلقت الملائكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم فقالوا له: أعملت خيراً؟ قال: كنت أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوز الله عنه) رواه البخاري.

هذا ما عمل شيئاً، فقط الذي كان موسراً كان ينظره -يعني: يمهله- والذي كان معسراً ليس عنده شيء يقول: سامحك الله، لا نريد منك شيئاً، قال الله عز وجل: (أنا أحق بهذا منك) تجاوز الله عنه، وغفر الله له! وغفران الذنب يأتي باستمرار نتيجة وجود الرحمة، ووجود الرفق في قلب الإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: (بينما كلب يطيف بركية -كلب كان يطوف على ركية فيها ماء- وكاد يقتله العطش -كاد يموت من الظمأ، ولا يستطيع أن ينزل الركية، بئر لو سقط فيها لمات- إذ رأته بغي -زانية- من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها -أي: خفها- فاستقت له، فسقته فغفر الله لها به) وهي بغي لكنها سقت الكلب رحمة به فغفر الله لها به! هذه من الأخلاق التي يغفر الله عز وجل بها ذنوب المؤمنين، ما من عمل أعظم عند الله عز وجل في الميزان من حسن الخلق، ويقول عليه الصلاة والسلام: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة) (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل جعظري جواظ مستكبر) هذا بعيد عن الله وبعيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.