للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمانة في الكتاب والسنة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الأحبة في الله: الأمانة جوهر الدين، وحقيقة الإسلام، وعنوان المؤمن، وصفة الموحد، وضد الخيانة.

وتعريفها عند أهل العلم: حفظ ما يعهد به إليك، وتستأمن عليه، ويطلب منك حفظه ورعايته وحمايته هذه هي الأمانة.

والأصل فيها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:٢٧] وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨] وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢].

ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قوله في توجيه نبوي كريم: (أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) بل جعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي الإيمان، ونفى الإيمان عمن لا أمانة لديه فقال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).

فهذه الأمانة وهذا الخلق العظيم اتصف به وبأعلى قدر وبأعظم نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم له من الكماليات البشرية ما ليس عند غيره؛ كل صفة من صفات الكمال فعند الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى نسبة منها، ولكن في الأمانة كان صلى الله عليه وسلم مبرزاً، حتى كان يلقب عند أهل مكة قبل البعثة والرسالة بالأمين، وكان الناس يستودعونه أماناتهم وأموالهم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم من حرصه وحفظه للأمانة لما أمره الله تعالى بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية المباركة، كانت عنده أمانات لبعض أهل مكة، وخشي صلى الله عليه وسلم أن يسددها للناس بنفسه فتنكشف مسألة خروجه، فيحصل على أذى؛ لأن كفار قريشٍ دبروا مؤامرة خبيثة للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المؤامرة في السر بعد مؤتمر عقدوه وحضره الشيطان، وأشار عليهم بأن يختاروا من كل فخذ من قبيلة قريش شاباً، ثم يُجمعوا بضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف ضربة واحدة فيتفرق دمه بين القبائل، فلا تستطيع بنو هاشم أن تثأر له، فتقبل الدية.

ولما عزموا على تدبير وتنفيذ هذه المؤامرة كشفها الله، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بتفاصيلها، وأمره بالهجرة، فهاجر صلى الله عليه وسلم، لكنه كلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بالتأخر في مكة من أجل رد الأمانات إلى أهلها، وبين له الأمانات، الناس عندما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، كل واحد فيهم طلب حقه وأمانته، فـ علي موجود، قال: تعالوا وخذوا حقوقكم، وهذا من باب حرصه صلى الله عليه وسلم على أداء الأمانة.

وكذلك أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم من بعده، وكذلك التابعون وسلف هذه الأمة وخيارهم ممن سار على نهجهم إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتميز الإنسان المؤمن عن غيره من الناس بحرصه على أداء الأمانة، فحفظها -أيها الإخوة- دليل الإيمان وعنوان السعادة، وضياعها دليل النفاق وعنوان الخسارة في الدنيا والآخرة.

نعم.

لا خيار لك في أن تكون أميناً أو ألا تكون أميناً، فمقتضى أن تكون مؤمناً أن تكون أميناً؛ لأن الإيمان والأمانة متلازمان، فلا يمكن أن يكون إيمان بدون أمانة، لماذا؟