للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة المال وحفظها]

(لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به) فقل لي بربك يا من تخون الأمانة وتسرق وتغش وتكذب كيف تواجه ربك؟! وبم تجيب ربك إذا سألك من أين هذا المال؟ وأيضاً: فيم أنفقه؟ المشكلة في المال مشكلة مزدوجة؛ لأنه يوجد سؤال في الاكتساب وسؤال في الإنفاق؛ مسئول عن كل ريال يدخل جيبك، ومسئول عن كل ريال يخرج من جيبك، وإذا بها مشكلة.

الذي يشتري (دش) (بعشرة آلاف) أو (بخمسة عشر ألفاً) ويضعه فوق البيت، ويمد ذراعيه إلى السماء يستمطر ما في القنوات الفضائية من الشر، ثم يدش به على أهله، فالذي سماه (دش) الحقيقة صدق؛ لأنه دش، أنت الآن عندما تتكلم على واحد وتهلكه بالكلام، تقول: والله أعطيته (دش) أي: أهلكته بالكلام، كذلك أنت ركبَّت على بيتك (دش) فماذا يمطر على أهلك؟ وماذا ينزل عليك وعلى أولادك وزوجتك؟ هل ينزل الخير؟ لا والله.

بل يظل الرجل جالساً عند زوجته وبيده (الريموت كنترول) وينتقل من قناة إلى قناة، كلما أغلق شراً دخل في آخر، وكلما انتهى من فيلم دخل في فيلم، وكلما انتهت مسرحية دخل في مسرحية، وكلما انتهت أغنية بحث عن أغنية، ما هذا؟ الله خلقك لهذا؟ عندك إجابة على هذا؟! الآن أنت خجلان أمام قريبك أو أحد جيرانك، لا تريد أحداً يعلم أن عندك (دشاً) وبعضهم يغشيه داخل البيت ويضعه في السطح ويضع من هنا جداراً ومن هناك جداراً، ويقول: ليس عندي شيئاً، لكنه لا يعمل إلا في السماء، إذا وضعته في الغرفة لا يصلح، وهذا من العوائق التي لا يعصى الله به إلا مجاهرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيحين: (كل أمتي معافى -أي: تحت العافية- إلا المجاهرون) من المجاهر؟ الذي يفضح نفسه بهذه الفضيحة، وهذه موجودة فوق البيت؛ فضيحة ظاهرة.

أخي في الله: يا من وقعت في هذه المصيبة، أحضر من الآن جواباً وهيئ للسؤال رداً، واعلم بأن الله تعالى سائلك، يقول الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:٢٤] ويقول عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:٩٢ - ٩٣].

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث كما في الصحيحين: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهل بيته) زوجتك وأولادك أنت الراعي والمسئول عنهم يوم القيامة، فإذا فسد الولد في المستقبل وأصبح خبيثاً شريراً كان عليك إثمه إلى يوم القيامة؛ لأنك أنت الذي أفسدته بيدك، وجلبت له هذه الوسيلة التي تفسده، وإذا فسدت المرأة كذلك، إذا فسدت البنت كذلك كلٌ مسئول عن رعيته.

الآن الراعي الذي يرعى الغنم لا يضيع الغنم بل يحفظها، ما رأيك براعٍ يدخل الذئب إلى غنمه؟ هذا راع أم مضيع للغنم؟ هذا مضيع للغنم، فكذلك أنت ما أتيت بذئبٍ واحد، بل وضعت على رأسك مائة ذئب، كل ذئب ينهش من زوجتك وأولادك وابنتك وعرضك، حتى تيبس عيونهم، وبعضهم لا ينام إلا وقد يبست عينه ولا يستطيع أن يغمضها، فإذا غمضت عينه اشتغل (الدش) من داخل عينه؛ تراه نائماً و (الدش) شغال؛ لأن الصور انطبعت في ذهنه وعينه.

فحياته كلها (دش)! وفي النوم واليقظة (دش)! ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).