للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة العقيدة والتوحيد]

الأمانة الأولى: أمانة العقيدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الناس فطرهم على العبادة، وجعلهم حنفاء، أي: مستقيمين، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي في صحيح البخاري: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: الإسلام والتوحيد والعقيدة- فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والله يقول في القرآن في هذا المعنى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:٣٠] الفطرة هي هذا الدين، فالله سبحانه وتعالى أقام الفطرة عليك، ثم أقام الحجة عليك بعد الفطرة بالعقل.

العقل: هو آلة يميز الإنسان به بين الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال، والنور والظلام، ولهذا هو مناط التكليف؛ إذا رفع العقل رفع التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق).

ثم أقام الحجة بعد الفطرة والعقل بالرسالات فبعث الرسل وأنزل عليهم الكتب لإقامة الحجة؛ لأن الحجة لا تقوم فقط بالفطرة أو بالعقل؛ لأن الفطرة أرضية، والعقل موجه، لكن ماذا يصنع الإنسان؟ كيف يعبد الله؟ هل يعبد الله بعقله؟ هل يعرف ما يحبه وما يبغضه الله بعقله؟ لا.

لا بد من الرسل، ولهذا يقول الله عز وجل: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:١٦٥] فلقيام الحجة على الناس أرسل الله الرسل، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥] أي: لا تقوم الحجة على الخلق إلا ببعثة الأنبياء وببلاغ الدين، ولذا يسأل الله سبحانه وتعالى، وتسأل الملائكة الناس يوم القيامة إذا دخلوا النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك:٨ - ٩] {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر:٧١] فقيام الحجة لا يكون إلا ببعثة الرسل.

بعث الله إليك الرسل، وبلغك الدين، وعرفت أنه مطلوب منك أن تكون موحداً، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذه الكلمة اسمها: كلمة الإخلاص، وهي الركن الأول من أركان الدين، وهي أساس الإسلام، ومفتاح الدخول في الدين، والتي يودع الإنسان الدنيا بها إذا مات، ومفتاح الجنة، وأول واجب، هذه الكلمة هي: لا إله إلا الله، هي ميثاق وعهد بينك وبين الله، ولهذا أي شخص يدخل في الإسلام ماذا يطلب منه قبل كل شيء؟ يطلب منه أن يقول: لا إله إلا الله، ولو صلَّى قبل أن يقول: لا إله إلا الله فما حكم صلاته؟ غير صحيحة، ولو حج قبل أن يقول: لا إله إلا الله، فحجه مردود باطل، ولو أخرج الزكاة لا تقبل، ولو ذهب يجاهد في سبيل الله وقتل قبل أن يقول: لا إله إلا الله لا ينفع مهما عملت، أول شيء وقع العقد بينك وبين الله، وما هو هذا العقد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

هذا هو الميثاق، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [الرعد:١٩ - ٢٠] هذا عهد الله {وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:٢٠] هذا العهد يوم أن دخلت في الدين قلت: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله؛ فلا أدع ولا أخاف، ولا أذبح إلا لله، ولا أتوكل، ولا أخشى، ولا أنذر، ولا أستعين، ولا أصلي، ولا أزكي، ولا أي شيء من أنواع العبادة إلا لله، لماذا؟ لأني قلت: لا إله إلا الله.

وهذه الكلمة ليست سهلة؛ هذه الكلمة كان الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون مدلولها، ولهذا لا يقولونها إلا صادقين.

حتى أبو طالب عند الموت، كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يقول هذه الكلمة؛ لتكون حجة للرسول في أن يشفع له عند الله، لما قدمه من حماية للدين؛ هذا الرجل أبو طالب قدم حماية عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان يقول عليه الصلاة والسلام: (ما زلت في عز ومنعة حتى مات أبو طالب).

لما مات أبو طالب في (السنة العاشرة) للبعثة سمَّي هذا العام: عام الحزن؛ لأنه مات فيه أبو طالب وماتت فيه خديجة، وانكشف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، واستطاع الكفار النيل من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن هناك أبو طالب، فلما جاءته وفاته أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على خدمته للدين، لكنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً؛ لأنه مشرك -أي: ما وقع العقد والعهد مع الله- قال: (يا عم قل: لا إله إلا الله) الآن لا صلاة ولا صيام ولا أي شيء ستموت الآن: (قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)، فنظر إلى الجلساء وقرناء السوء؛ أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية وهم جلوس عنده، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ يعرفون أن معنى الكلمة هذه -لا إله إلا الله- رفض لملة عبد المطلب؛ ملة الشرك والآلهة المعبودة من غير الله، فالرجل قال: بل على ملة عبد المطلب ومات عليها! فقال صلى الله عليه وسلم: (والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك) ولما أراد أن يستغفر له منعه الله أن يستغفر له وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:١١٣].

فنهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لعمه؛ لأنه مات مشركاً، إذ لا تنفعه شفاعة الشافعين، وقد نفعته شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أن خفف عليه في العذاب؛ ووضع في ضحضاح من نار، والضحضاح: هو الماء الذي يغطي الكعبين، إذا دخلت في زرع أو طريق أو شيء وهو يغطي إلى كعب رجلك هذا يسمى ضحضاحاً أي: راكداً، وأبو طالب يعيش في ضحضاح من نار، تخيلوا شخصاً يعيش وكعبيه في النار! كيف يكون وضعه وهو أقل الناس عذاباً في النار؟ ويرى هو في نفسه أنه لا أحد أشد عذاباً في النار منه، وهو أخف أهل النار والعياذ بالله! فعقيدة التوحيد -يا أخي في الله- أمانة استأمنك الله عليها في ألا توحد إلا الله توحيداً بأقسامه الثلاثة: التوحيد الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله، وسميت الربوبية؛ لأنها أعمال الرب سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد، وهي: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والنفع والضر؛ هذه كلها لله، فلا بد أن توحده، وهذا لا يكفي، إذ لا بد من توحيد الألوهية؛ لأن التوحيد هذا وحَّده به المشركون، ويوحِّده به الآن كثير من الناس، ويظن بعض الناس أن هذا هو التوحيد، فبعض المشركين والقبوريين الآن الذين يدعون الأولياء ويذهبون إلى القبور وينذرون ويذبحون إذا قلت لهم: يا جماعة! هذا شرك لا يجوز، قالوا: لا.

نحن موحدون، نحن نعتقد أن الله هو المعطي، المحيي، المانع، الضار، قلنا: هذا توحيد الربوبية وقد أقر به حتى الكفار، قال الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٩] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] فهم يعترفون أن الله هو الخالق لهم، لكن توحيد الألوهية هو الذي سقطوا فيه وقامت من أجله الخصومات بين الأمم والرسل، وشرعت من أجله ألوية الجهاد، والذي ميز الله به بين الحق والباطل.

التوحيد الثاني توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بفعل العبد؛ أنت وحدت الله بفعل الرب وقلت: إنه الخالق، وهو الرازق والمحيي، هذا ليس لك فيه فضل أنت؛ لأنه فعل الله، اعترفت أم لم تعترف، ولكن يلزمك أن تعترف به، لكن المهم فعلك أنت، ما هو فعلك؟ العبادة، وحِّد الله بعبادتك أنت، فلا تدع، ولا تذبح، ولا تنذر، ولا تستعن، ولا تخش إلا الله، هذا معنى توحيد الألوهية: وهي صرف جميع أنواع العبادة لله وحده.

التوحيد الثالث توحيد الأسماء والصفات: وهو أن توحد الله بإثبات جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل، وإنما نؤمن بأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] فنثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه، يقول الله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] هذا إثبات للصفة، وننفي التأويل والتمثيل يقول تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] فهو سميع لكن سمعاً يليق بجلاله، وهذه هي عقيدة الأمة الصافية وعقيدة السلف، أما الذين دخلوا في علم الكلام والتأويل والنفي والإثبات ضاعوا -والعياذ بالله- لكنك عندما تأخذها كما جاءت، وكما أقرَّها النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاها سلف هذه الأمة تجدها أسهل من الماء، لماذا؟ لأنها عقيدة صافية؛ هذا التوحيد هو أمانة بينك وبين الله، فلا بد أن تكون موحداً، وأن تبرأ إلى الله مما يناقض التوحيد وهو الشرك.

والشرك أقسام: أكبر وأصغر وخفي؛ شرك الدعوة والطاعة والإرادة والمحبة، الشرك: صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ مثل تصديق الكهنة، والذهاب إلى السحرة، والاعتقاد في